ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن سياق الآية الكريمة يؤيده إذ الكلام فيها في شأن جزاء الذين ساروا على نهج آبائهم في الضلال ، وليس في بيان الجزاء العام في الدنيا والآخرة.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن اختلاف الناس في الحق موجود قبل بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ..).
أى : كما اختلف قومك ـ أيها الرسول الكريم ـ في شأن القرآن الكريم فمنهم من وصفه بأنه أساطير الأولين ، فقد اختلف قوم موسى من قبلك في شأن التوراة التي أنزلها الله على نبيهم موسى لهدايتهم ، إذ منهم من آمن بها ومنهم من كفر ...
ومادام الأمر كذلك ، فلا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لاختلاف قومك في شأن القرآن الكريم ، فإن هذا الاختلاف شأن الناس في كل زمان ومكان والمصيبة إذا عمت خفت.
فالجملة الكريمة تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من مشركي قومه.
وجاء الفعل (فَاخْتُلِفَ) بصيغة المبنى للمجهول ، لأن ذكر فاعل الاختلاف لا يتعلق به غرض ، وإنما الذي يتعلق به الغرض هو ما نجم عن هذا الاختلاف من كفر وضلال.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله ورحمته بخلقه فقال : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ...).
والمراد بالكلمة التي سبقت : تأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة ، وعدم إهلاكهم بعذاب الاستئصال في الدنيا.
قال الشوكانى : قوله ـ سبحانه ـ (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ...) أى : لولا أن الله ـ تعالى ـ قد حكم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلاح ، لقضى بينهم ، أى : بين قومك ، أو بين قوم موسى ، فيما كانوا فيه مختلفين ، فأثيب المحق وعذب المبطل ، أو الكلمة ؛ هي أن رحمته سبحانه سبقت غضبه ، فأمهلهم ولم يعاجلهم لذلك.
وقيل إن الكلمة هي أنهم لا يعذبون بعذاب الاستئصال ، وهذا من جملة التسلية له صلىاللهعليهوسلم» (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ).
والمريب اسم فاعل من أراب. يقال أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة والحيرة.
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٥٢٩.