لأصنامهم إنما هي تقليد لما كان يعبده آباؤهم من قبل ، وهذه العبادة لغير الله ـ تعالى ـ ستؤدى بالجميع إلى سوء العاقبة وإلى العذاب الأليم.
والخطاب وإن كان للرسول صلىاللهعليهوسلم على سبيل التسلية والتثبيت ، إلا أن التحذير فيه يندرج تحته كل من يصلح للخطاب.
وهذا الأسلوب كثيرا ما يكون أوقع في النفس ، وأشد تأثيرا في القلب ، لأنه يشعر المخاطب بأن ما بينه الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم إنما هو من قبيل القضايا الموضوعية التي لا تحتاج إلى جدال مع أحد ، ومن جادل فيها فإنما يجادل في الحق الواضح بدافع الحسد والعناد ، لأن الواقع يشهد بصحة ما بينه الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم.
وجملة (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) مستأنفة ، لبيان أن الخلف قد ساروا في الجهالة والجحود على طريقة السلف.
وعبر عن عبادة الآباء بالمضارع ، مع أنها كانت في الماضي بقرينة (مِنْ قَبْلُ). للدلالة على استمرارهم على هذه العبادة الباطلة حتى موتهم ، وأن أبناءهم لم ينقطعوا عنها ، بل واصلوا السير على طريق آبائهم الضالين بدون تفكر أو تدبر.
والمضاف إليه في قوله (مِنْ قَبْلُ) محذوف ، والتقدير : من قبلهم.
وقوله (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) تذييل قصد به تأكيد العقاب الذي ينزل بهم في الآخرة بسبب عبادتهم لغير الله.
وموفوهم من التوفية ، وهي إعطاء الشيء كاملا بدون نقص.
والمراد بالنصيب هنا : المقدار المعد لهم من العذاب ، وسماه نصيبا على سبيل التهكم بهم.
أى : وإنا لمعطو هؤلاء الذين نهجوا منهج آبائهم في عبادة غير الله ، نصيبهم وحظهم من عذاب الآخرة كاملا بدون إنقاص شيء منه ، كما ساروا هم على طريقة سلفهم في الضلال دون أن يغيروا شيئا منها ...
ومنهم من جعل المراد بالنصيب هنا : ما يشمل الجزاء على الأعمال الدنيوية والأخروية.
قال صاحب المنار : أى ، وإنا لمعطوهم نصيبهم من جزاء أعمالهم في الدنيا والآخرة وافيا تاما لا ينقص منه شيء ، كما وفينا آباءهم الأولين من قبل ، فإنه ما من خير يعمله أحد منهم كبرّ الوالدين وصلة الأرحام ... إلا ويوفيهم الله جزاءهم عليه في الدنيا بسعة الرزق ، وكشف الضر جزاء تاما ، لا ينقصه شيء يجزون عليه في الآخرة ...» (١).
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٢ ص ١٦٢.