قال الشوكانى ما ملخصه : وقوله «جزاؤه» مبتدأ ، وقوله «من وجد في رحله» خبر المبتدأ.
والتقدير : جزاء السرقة للصواع أخذ من وجد في رحله ـ أى استرقاقه لمدة سنة ـ ، وتكون جملة «فهو جزاؤه» لتأكيد الجملة الأولى وتقريرها. قال الزجاج وقوله «فهو جزاؤه» زيادة في البيان. أى : جزاؤه أخذ السارق فهو جزاؤه لا غير» (١).
وقالوا «جزاؤه من وجد في رحله» ولم يقولوا جزاء السارق أو جزاء سرقته ، للإشارة إلى كمال نزاهتهم ، وبراءة ساحتهم من السرقة ، حتى لكأن ألسنتهم لا تطاوعهم بأن ينطقوا بها في هذا المقام.
وقوله : (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) مؤكد لما قبله ، أى مثل هذا الجزاء العادل ، وهو الاسترقاق لمدة سنة ، نجازي الظالمين الذين يعتدون على أموال غيرهم.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) معطوف على كلام محذوف يفهم من المقام.
والتقدير : وبعد هذه المحاورة التي دارت بين إخوة يوسف وبين الذين اتهموهم بالسرقة أخبر الإخوة بتفتيش أمتعتهم للبحث عن الصواع بداخلها.
«فبدأ» المؤذن بتفتيش أوعيتهم ، قبل أن يفتش وعاء «بنيامين» فلم يجد شيئا بداخل أوعيتهم.
فلما وصل إلى وعاء «بنيامين» وقام بتفتيشه وجد السقاية بداخله ، فاستخرجها منه على مشهد منهم جميعا.
ويبدو أن هذا الحوار من أوله كان بمشهد ومرأى من يوسف ـ عليهالسلام ـ وكان أيضا بتدبير وتوجيه منه للمؤذن ومن معه ، فهو الذي أمر المؤذن بأن ينادى «أيتها العير إنكم لسارقون» ، وهو الذي أشار عليه بأن يسألهم عن حكم السارق في شريعتهم ، وهو الذي أمره بأن يبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل أن يفتش وعاء شقيقه «بنيامين» دفعا للتهمة ، ونفيا للشبهة ...
روى أنه لما بلغت النوبة إلى وعاء «بنيامين» لتفتيشه قال يوسف ـ عليهالسلام ـ : ما أظن هذا أخذ شيئا؟ فقالوا : والله لا تتركه حتى تنظر في رحله ، فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا» (٢).
__________________
(١) تفسير فتح القدير للإمام الشوكانى ج ٣ ص ٤٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ٢٨.