وقيل : الخرص : الكذب كما في قوله ـ تعالى ـ (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أى يكذبون (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر نعمه على عباده فقال ـ تعالى ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً ...).
أى : الله وحده ـ سبحانه ـ هو الذي جعل لكم الليل مظلما ، لكي تستقروا فيه بعد طول الحركة في نهاركم من أجل معاشكم ، وهو الذي جعل لكم النهار مضيئا لكي تبصروا فيه مطالب حياتكم.
والجملة الكريمة بيان لمظاهر رحمة الله ـ تعالى ـ بعباده ، بعد بيان سعة علمه ، ونفاذ قدرته ، وشمولها لكل شيء في هذا الكون.
وقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أى : إن في ذلك الجعل المذكور لدلائل واضحات لقوم يسمعون ما يتلى عليهم سماع تدبر وتعقل ، يدل على سعة رحمة الله ـ تعالى ـ بعباده ، وتفضله عليهم بالنعم التي لا تحصى.
ثم شرع ـ سبحانه ـ في بيان أقبح الرذائل التي تفوه بها المشركون فقال : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ....).
والمراد بهؤلاء القائلين : اليهود الذين قالوا : عزير ابن الله ـ والنصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله ، وكفار العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله ، وغيرهم ممن نحا نحوهم في تلك الأقوال الشائنة.
وقوله : (سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تنزيه له ـ عزوجل ـ عما قالوا ، في حقه من أقاويل باطلة.
أى : تنزه وتقدس عن أن يكون له ولد ، لأنه هو الغنى بذاته عن الولد وعن كل شيء ، وهو المالك لجميع الكائنات علويها وسفليها ، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره ، وغيره محتاج إليه ، وخاضع لسلطان قدراته.
قال ـ تعالى ـ : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ ، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ
__________________
(١) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص ١٤٦ ـ بتصرف وتلخيص.