المميزين وهم الملائكة والثقلان ، وإنما خصهم بالذكر ليؤذن أن هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكه ، فهم عبيد كلهم ، وهو ـ سبحانه ـ ربهم ، ولا يصلح أحد منهم للربوبية ، ولا أن يكون شريكا له فيها ، فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكا ، وليدل على أن من اتخذ غيره ربا من ملك أو إنس ، فضلا عن صنم أو غير ذلك ، فهو مبطل تابع لما أدى إليه التقليد وترك النظر» (١).
وقوله : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ).
أى : وما يتبع هؤلاء المشركون في عبادتهم لغير الله شركاء في الحقيقة ، وإنما يتبعون أشياء أخرى سموها من عند أنفسهم شركاء جهلا منهم ، لأن الله ـ تعالى ـ تنزه وتقدس عن أن يكون له شريك أو شركاء في ملكه أو في عبادته.
وعلى هذا التفسير تكون (ما) في قوله (وَما يَتَّبِعُ) نافية ، وقوله (شُرَكاءَ) مفعول يتبع ، ومفعول يدعون محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أى : وما يتبع الذين يدعون من دون الله آلهة شركاء.
ويجوز أن تكون (ما) استفهامية منصوبة بقوله (يَتَّبِعُ) ، ويكون قوله (شُرَكاءَ) منصوب بقوله (يَدْعُونَ) وعليه يكون المعنى.
أى شيء يتبع هؤلاء المشركون في عبادتهم؟ إنهم يعبدون شركاء سموهم بهذا الاسم من عند أنفسهم ، أما هم في الحقيقة فلا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
وقوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أى : ما يتبعون في عبادتهم لغير الله إلا الظن الذي لا يغنى عن الحق شيئا ، وإلا الخرص المبنى على الوهم الكاذب ، والتقدير الباطل.
وأصل الخرص : الحزر والتقدير للشيء على سبيل الظن لا على سبيل الحقيقة.
قال الراغب : وحقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له خرص ، سواء أكان مطابقا للشيء أم مخالفا له ، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع ، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل الخارص في خرصه ـ أى : كفعل من يخرص الثمر على الشجر ـ وكل من قال قولا على هذا النحو قد يسمى كاذبا وإن كان قوله مطابقا للمقول المخبر عنه.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٤٤.