وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٦١)
أى : ألا إن لله وحده لا لغيره ، ملك ما في السموات وما في الأرض من مخلوقات ، وهو ـ سبحانه ـ يتصرف فيها وفق إرادته ومشيئته كما يتصرف المالك فيما يملكه ، فهو يعطى من يشاء ويغفر لمن يشاء ، ويتوب على من يشاء (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).
وقوله : (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أى : ألا إن كل ما وعد الله به الناس من ثواب وعقاب وغيرهما ، ثابت ثبوتا لا ريب فيه ، وواقع وقوعا لا محيص عنه.
وصدرت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح (أَلا) الدالة على التنبيه ، لحض الغافلين عن هذه الحقيقة على التذكر والاعتبار والعودة إلى طريق الحق.
وأعيد حرف التنبيه في جملة (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) لتمييزها بهذا التنبيه عن سابقتها ، لأنها مقصودة بذاتها : إذ أن المشركين كانوا يظنون أن ما وعدهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم هو من باب الترغيب والترهيب وليس من باب الحقائق الثابتة.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أى ولكن أكثر هؤلاء الناس الذين بعثت إليهم يا محمد ، لا يعلمون ما جئت به علما نافعا لسوء استعدادهم ، وضعف عقولهم ، وخبث نفوسهم.
وقال (أَكْثَرَهُمْ) : إنصافا للقلة المؤمنة التي علمت الحق فاتبعته وصدقته ، ووقفت إلى جانب الرسول صلىاللهعليهوسلم تؤيده وتفتدى دعوته بالنفس والمال.
وقوله : (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بيان لكمال قدرته ، إثر بيان عظم ملكوته ، ونفاذ وعده.
أى : هو ـ سبحانه ـ الذي يحيى من يريد إحياءه ويميت من يريد إماتته وإليه وحده ترجعون جميعا ، فيحاسبكم على أعمالكم ، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى الناس ، أمرهم فيه بالانتفاع بما اشتمل عليه القرآن الكريم ، من خيرات وبركات فقال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ