و (تَغِيضُ) من الغيض بمعنى النقص. يقال : غاض الماء إذا نقص.
و (ما) موصولة والعائد محذوف. أى : الله وحده هو الذي يعلم ما تحمله كل أنثى في بطنها من علقة أو مضغة ومن ذكر أو أنثى ... وهو وحده ـ سبحانه ـ الذي يعلم ما يكون في داخل الأرحام من نقص في الخلقة أو زيادة فيها ، ومن نقص في مدة الحمل أو زيادة فيها ، ومن نقص في العدد أو زيادة فيه ...
قال ابن كثير : «قوله : (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) ، قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر. حدثنا معن ، حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله ، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله».
وقال العوفى عن ابن عباس (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) يعنى السقط (وَما تَزْدادُ).
يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما. وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهن من تزيد في الحمل ومنهن من تنقص. فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله ـ تعالى ـ وكل ذلك بعلمه ـ سبحانه ـ (١).
وقوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) أى : وكل شيء عنده ـ سبحانه ـ بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه ، كما قال ـ تعالى ـ (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٢). وكما قال ـ تعالى ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٣). فهو ـ سبحانه ـ يعلم كمية كل شيء وكيفيته وزمانه ومكانه وسائر أحواله.
وقوله (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) تأكيد لعموم علمه ـ سبحانه ـ ودقته.
والغيب : مصدر غاب يغيب ، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب ، وهو : ما لا تدركه الحواس ولا يعلم ببداهة العقل.
والشهادة : مصدر شهد يشهد ، وهي هنا بمعنى الأشياء المشهودة.
والمتعال : المستعلى على كل شيء في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ـ سبحانه ـ.
أى : أنه ـ سبحانه ـ هو وحده الذي يعلم أحوال الأشياء الغائبة عن الحواس كما يعلم
__________________
(١) تفسير ابن كثير المجلد الرابع ص ٣٥٧ طبعة دار الشعب.
(٢) سورة القمر الآية ٤٩.
(٣) سورة الحجر الآية ٢١.