و (مَكِينٌ) صفة مشبهة من الفعل مكن ـ بضم الكاف ـ ، بمعنى صاحب مكانة ومرتبة عظيمة ، يقال : مكن فلان مكانة إذا ارتفعت منزلته ، ويقال : مكنت فلانا من هذا الشيء إذا جعلت له عليه سلطانا وقدرة.
(أَمِينٌ) بزنة فعيل بمعنى مفعول ، أى : مأمون على ما نكلفك به ، ومحل ثقتنا.
والمعنى : وقال الملك لجنده ائتوني بيوسف هذا أستخلصه لنفسي فأتوه به إلى مجلسه.
فازداد حب الملك له وتقديره إياه وقال له : إنك منذ اليوم عندنا صاحب الكلمة النافذة ، والمنزلة الرفيعة ، التي تجعلنا نأتمنك على كل شيء في هذه المملكة ، وتلك المقالة من الملك ليوسف ، هي أولى بشائر عاقبة الصبر ؛ وعزة النفس ، وطهارة القلب ، والاستعصام بحبل الله المتين ...
وهنا طلب يوسف ـ عليهالسلام ـ من الملك بعزة وإباء أن يجعله في الوظيفة التي يحسن القيام بأعبائها (قالَ : اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) والخزائن جمع خزانة ـ بكسر الخاء وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء ، والمراد بالأرض : أرض مصر.
أى : قال يوسف ـ عليهالسلام ـ للملك : اجعلنى ـ أيها الملك ـ المتصرف الأول في خزائن أرض مملكتك ، المشتملة على ما يحتاج إليه الناس من أموال وأطعمة ، لأنى شديد الحفظ لما فيها ، عليم بوجوه تصريفها فيما يفيد وينفع ...
فأنت ترى أن يوسف ـ عليهالسلام ـ لم يسأل الملك شيئا لنفسه من أعراض الدنيا ، وإنما طلب منه أن يعينه في منصب يتمكن بواسطته من القيام برعاية مصالح الأمة ، وتدبير شئونها ... لأنها مقبلة على سنوات عجاف ، تحتاج إلى خبرة يوسف وأمانته وكفاءته ، وعلمه ...
قال صاحب الكشاف : «وصف يوسف نفسه بالأمانة والكفاية اللتين هما طلبة الملوك ممن يولونه ، وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله تعالى ـ وإقامة الحق ، وبسط العدل ، والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد ، ولعلمه أن أحدا غيره لا يقومه مقامه في ذلك ، فطلب التولية ابتغاء وجه الله ـ لا لحب الملك والدنيا» (١).
وقال القرطبي ما ملخصه : «ودلت الآية ـ أيضا ـ على جواز أن يطلب الإنسان عملا يكون له أهلا.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٢٨.