يقتضى صدقها ، وقد يكون هو حريصا على ذلك بمقتضى قرابته لها ، إلا أن الله ـ تعالى ـ أظهر ما هو الحق ، تكريما ليوسف ـ عليهالسلام ـ أو يكون قد قدم ذلك باعتبارها سيدة ، ويوسف فتى ، فمن باب اللياقة أن يذكر الفرض الأول رحمة بها.
وزيادة جملة «وهو من الكاذبين» بعد «فصدقت» وزيادة جملة «وهو من الصادقين» بعد «فكذبت» تأكيد لزيادة تقرير الحق كما هو الشأن في إصدار الأحكام.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ...) بيان لما قاله زوجها بعد أن انكشفت له الحقيقة انكشافا تاما.
أى : فلما رأى العزيز قميص يوسف قد قطع من الخلف. وجه كلامه إلى زوجته معاتبا إياها بقوله : إن محاولتك اتهام يوسف بما هو برىء منه ، هو نوع من «كيدكن» ومكركن وحيلكن «إن كيدكن عظيم» في بابه ، لأن كثيرا من الرجال لا يفطنون إلى مراميه.
وهكذا واجه ذلك الرجل خيانة زوجه له بهذا الأسلوب الناعم الهادئ ، بأن نسب كيدها ومكرها لا إليها وحدها بل الجنس كله «إنه من كيدكن».
ثم وجه كلامه إلى يوسف فقال له «يوسف أعرض عن هذا» أى : يا يوسف أعرض عن هذا الأمر الذي دار بينك وبينها فاكتمه. ولا تتحدث به خوفا من الفضيحة ، وحفاظا على كرامتي وكرامتها.
وقوله : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) خطاب منه لزوجته التي ثبتت عليها الجريمة ثبوتا تاما.
أى : واستغفري الله من ذنبك الذي وقع منك ، بإساءتك فعل السوء مع يوسف ، ثم اتهامك له بما هو برىء منه.
وجملة : «إنك كنت من الخاطئين» تعليل لطلب الاستغفار. أى توبي إلى الله مما حدث منك ، لأن ما حدث منك مع يوسف جعلك من جملة القوم المتعمدين لارتكاب الذنوب ، وجعلها من جملة الخاطئين للتخفيف عليها في المؤاخذة.
وهكذا نجد هذا الرجل ـ صاحب المنصب الكبير ـ يعالج الجريمة التي تثور لها الدماء في العروق ، وتستلزم حسما وحزما في الأحكام ، بهذا الأسلوب الهادئ البارد ، شأن المترفين في كل زمان ومكان ، الذين يهمهم ظواهر الأمور دون حقائقها وأشكالها دون جواهرها ، فهو يلوم امرأته لوما خفيفا يشبه المدح ، ثم يطلب من يوسف كتمان الأمر ، ثم يطلب منها التوبة من ذنوبها المتعمدة .. ثم تستمر الأمور بعد ذلك على ما هي عليه من بقاء يوسف معها في