والباء في قوله (بِأَعْيُنِنا) للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير اصنع.
أى : واصنع الفلك يا نوح ، حالة كونك بمرأى منا ، وتحت رعايتنا وتوجيهنا وإرشادنا عن طريق وحينا.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) نهى له عن المراجعة بشأنهم.
أى : ولا تخاطبني يا نوح في شأن هؤلاء الظالمين ، بأن ترجوني في رحمتهم أو في دفع العذاب عنهم ، فقد صدر قضائي بإغراقهم ولا راد لقضائي.
وقوله ـ تعالى ـ (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) بيان لامتثال نوح لأمر ربه.
وجاء التعبير بالفعل المضارع مع أن الصنع كان في الماضي : استحضارا لصورة الصنع ، حتى لكأن نوحا ـ عليهالسلام ـ يشاهد الآن وهو يصنعها.
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف قومه منه وهو يصنعها وقال : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ...).
والسخرية : الاستهزاء. يقال : سخر فلان من فلان وسخر به ، إذا استخف به وضحك منه.
أى : امتثل نوح لأمر ربه ، فطفق يصنع الفلك ، فكان الكافرون من قومه كلما مروا به وهو يصنعها استهزءوا به ، وتعجبوا من حاله ، وقالوا له على سبيل التهكم به ، يا نوح صرت نجارا بعد أن كنت نبيا ، كما جاء في بعض الآثار.
وهنا يرد عليهم نوح بقوله : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ).
أى قال نوح لهم : إن تسخروا منى ومن أتباعى اليوم لصنعنا السفينة ، وتستجهلوا منا هذا العمل ، فإنا سنسخر منكم في الوقت القريب سخرية محققة في مقابل سخريتكم الباطلة.
قال الإمام الرازي : وقوله (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) فيه وجوه :
الأول : التقدير : إن تسخروا منا في هذه الساعة فإنا نسخر منكم سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا والخزي في الآخرة.
الثاني : إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله وعذابه ، فأنتم أولى بالسخرية منا.
الثالث : إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم ، واستجهالكم أقبح وأشد ، لأنكم لا تستجهلون