والمعنى : تلك الآيات التي نتلوها عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ في هذه السورة وفي غيرها ، هي آيات الكتاب الظاهر أمره ، الواضح إعجازه ، بحيث لا تشتبه على العقلاء حقائقه ، ولا تلتبس عليهم هداياته.
وصحت الإشارة إلى آيات الكتاب الكريم ، مع أنها لم تكن قد نزلت جميعها ، لأن الإشارة إلى بعضها كالإشارة إلى جميعها ، حيث كانت بصدد الإنزال ، ولأن الله ـ تعالى ـ قد وعد رسوله صلىاللهعليهوسلم بنزول القرآن عليه ، كما في قوله (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ووعد الله ـ تعالى ـ لا يتخلف.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة من إنزاله بلسان عربي مبين فقال : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
أى : إنا أنزلنا هذا الكتاب الكريم على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم بلسان عربي مبين ، لعلكم أيها المكلفون بالإيمان به ، تعقلون معانيه ، وتفهمون ألفاظه ، وتنتفعون بهداياته ، وتدركون أنه ليس من كلام البشر ، وإنما هو كلام خالق القوى والقدر وهو الله ـ عزوجل ـ.
فالضمير في «أنزلناه» يعود إلى الكتاب ، وقرآنا حال من هذا الضمير أو بدلا منه.
والتأكيد بحرف إن متوجه إلى خبرها وهو أنزلناه ، للرد على أولئك المشركين الذين أنكروا أن يكون هذا القرآن من عند الله.
وجملة (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) بيان لحكمة إنزاله بلغة العرب وحذف مفعول «تعقلون» للإشارة إلى أن نزوله بهذه الطريقة ، يترتب عليه حصول تعقل أشياء كثيرة لا يحصيها العد.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : قوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات ، وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس ، فلهذا أنزل أشرف الكتب ، بأشرف اللغات ، على أشرف الرسل ، بسفارة أشرف الملائكة ، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض ، وفي أشرف شهور السنة ، فكمل له الشرف من كل الوجوه» (١).
وقال الجمل : «واختلف العلماء هل يمكن أن يقال : في القرآن شيء غير عربي.
قال أبو عبيدة : من قال بأن في القرآن شيء غير عربي فقد أعظم على الله القول. واحتج بهذه الآية.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٩٣. طبعة دار الشعب.