القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هي من جنس الحروف الهجائية التي تنظمون منها حروفكم .. فإن كنتم في شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكي يعاونكم في ذلك.
ومما يشهد لصحة هذا الرأى : أن الآيات التي تلى هذه الحروف المقطعة تراها تتحدث ـ صراحة أو ضمنا ـ عن القرآن الكريم وعن كونه من عند الله ـ تعالى ـ وعن كونه معجزة للرسول صلىاللهعليهوسلم ففي مطلع سورة البقرة : (الم ، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ...).
وفي مطلع سورة آل عمران : (الم ، اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ..).
وفي أول سورة الأعراف : (المص. كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ..).
وفي أول سورة يونس : (الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...).
وفي أول سورة هود : (الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ...).
وهكذا نجد أن معظم الآيات التي تلى الحروف المقطعة ، منها ما يتحدث عن أن هذا الكتاب من عند الله ـ سبحانه ـ ومنها ما يتحدث عن وحدانية الله ـ تعالى ـ ، ومنها ما يتحدث عن صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم في دعوته ..
وهذا كله لتنبيه الغافلين إلى أن هذا القرآن من عند الله ، وأنه المعجزة الخالدة للرسول صلىاللهعليهوسلم.
ثم قال ـ تعالى ـ : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ).
و «تلك» اسم إشارة ، المشار إليه الآيات ، والمراد بها آيات القرآن الكريم ويندرج فيها آيات السورة التي معنا.
والكتاب : مصدر كتب كالكتب. وأصل الكتب ضم أديم الى آخر بالخياطة. واستعمل عرفا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط ، والمراد به القرآن الكريم.
والمبين : أى الواضح الظاهر من أبان بمعنى بان أى ظهر.