(أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الذين وضعوا الأمور في غير مواضعها ، فأوردوا أنفسهم المهالك».
وجيء باسم الإشارة (هؤُلاءِ) زيادة في التشنيع عليهم ، وفي تمييزهم عن غيرهم وصدرت جملة (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) بأداة الاستفتاح (أَلا) لتأكيد الدعاء عليهم بالطرد والإبعاد عن رحمة الله ـ تعالى ـ بسبب افترائهم الكذب.
والظاهر أن هذه الجملة من كلام الأشهاد ويؤيد ذلك ما أخرجه الشيخان عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله ـ عزوجل ـ يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ـ أى ستره وعفوه ـ ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له : أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإنى قد سترتها عليك في الدنيا وإنى أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١).
ويجوز أن تكون هذه الجملة من كلام الله ـ تعالى ـ على سبيل الاستئناف بعد أن قال الأشهاد (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا آخر من أفعالهم الشنيعة فقال : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً ...)
و (يَصُدُّونَ) من صد بمعنى صرف الغير عن الشيء ومنعه منه. يقال صد يصد صدودا وصدا.
و (سَبِيلِ اللهِ) طريقه الموصلة إلى رضائه. والمراد بها ملة الإسلام.
(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أى يطلبون لها العوج ، يقال : بغيت لفلان كذا إذا طلبته له.
والعوج ـ بكسر العين ـ الميل والزيغ في الدين والقول والعمل. وكل ما خرج عن طريق الهدى إلى طريق الضلال فهو عوج.
والعوج ـ بفتح العين ـ يكون في المحسوسات كالميل في الحائط والرمح وما يشبههما. أى أن مكسور العين يكون في المعاني ومفتوحها يكون في المحس.
والمعنى : ألا لعنة الله وخزيه على الظالمين الذين من صفاتهم أنهم لا يكتفون بانصرافهم
__________________
(١) تفسير ابن كثير المجلد الرابع ص ٢٤٧ طبعة دار الشعب.