الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(٢٤)
قال الإمام الرازي : اعلم أن الكفار كانت لهم عادات كثيرة وطرق مختلفة فمنها شدة حرصهم على الدنيا ، ورغبتهم في تحصيلها ، وقد أبطل الله ـ تعالى ـ هذه الطريقة بقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ...) إلى آخر الآية. ومنها أنهم كانوا ينكرون نبوة الرسول صلىاللهعليهوسلم ويقدحون في معجزاته وقد أبطل الله ـ تعالى ـ ذلك بقوله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ...).
ومنها أنهم كانوا يزعمون في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله ، وقد أبطل الله ـ تعالى ـ ذلك بهذه الآيات وذلك لأن هذا الكلام افتراء على الله ...» (١).
وجمله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ....) معطوفة على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ).
والاستفهام للإنكار والنفي ، والتقدير : لا أحد أشد ظلما ممن تعمد الكذب على الله ـ تعالى ـ بأن زعم بأن الأصنام تشفع لعابديها عنده ، أو زعم بأن الملائكة بنات الله ، أو أن هذا القرآن ليس من عنده ـ سبحانه ـ.
وقوله : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) بيان لما يقال لهؤلاء الظالمين على سبيل التشهير والتوبيخ يوم القيامة والأشهاد : جمع شهيد كشريف وأشراف. أو جمع شاهد بمعنى حاضر كصاحب وأصحاب والمراد بهم ـ على الراجح ـ جميع أهل الموقف من الملائكة الذين كانوا يسجلون عليهم أقوالهم وأعمالهم ، ومن الأنبياء والمؤمنين.
والمعنى : أولئك الموصوفون بافتراء الكذب على الله ـ تعالى ـ يعرضون يوم الحساب ، على ربهم ومالك أمرهم ، كما يعرض المجرم للقصاص منه ، ولفضيحته أمام الناس.
(وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) الذين يشهدون عليهم بأنهم قد افتروا الكذب على الله (هؤُلاءِ) المجرمون هم (الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) بأن نسبوا إليه ما هو منزه عنه.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ٢٠٣ طبعة عبد الرحمن محمد.