وأكد ـ سبحانه ـ إهلاك الظالمين وإسكان الرسل أرضهم ، بلام القسم ونون التوكيد ... زيادة في إدخال السرور على نفوس الرسل ، وفي تثبيت قلوبهم على الحق ، وردا على أولئك الظالمين الذين أقسموا بأن يخرجوا الرسل من ديارهم ، أو يعودوا إلى ملتهم.
قال صاحب الكشاف : «والمراد بالأرض في قوله (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أرض الظالمين وديارهم ، ونحوه : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) ...
وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من آذى جاره ورثه الله داره».
ثم قال : ولقد عاينت هذا في مدة قريبة ، كان لي خال يظلمه عظيم القرية التي أنا منها ويؤذيني فيه ، فمات ذلك العظيم وملكني الله ضيعته ، فنظرت يوما إلى أبناء خالي يترددون فيها ، ويدخلون في دورها ويخرجون ويأمرون وينهون ، فذكرت قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحدثتهم به ، وسجدنا شكرا لله» (١).
واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) يعود إلى ما قضى الله به من إهلاك الظالمين ، وتمكين الرسل وأتباعهم من أرضهم.
أى : ذلك الذي قضيت به كائن لمن خاف قيامي عليه ، ومراقبتى له ، ومكان وقوفه بين يدي للحساب ، وخاف وعيدي بالعذاب لمن عصاني.
قال الجمل : «ومقامي فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مقحم ـ وهو بعيد إذ الأسماء لا تقحم ، أى ذلك لمن خافني ـ الثاني : أنه مصدر مضاف للفاعل.
قال الفراء : مقامي مصدر مضاف لفاعله : أى قيامي عليه بالحفظ. الثالث : أنه اسم مكان ، قال الزجاج : مكان وقوفه بين يدي للحساب» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَاسْتَفْتَحُوا) من الاستفتاح بمعنى الاستنصار ، أى : طلب النصر من الله ـ تعالى ـ على الأعداء. والسين والتاء للطلب.
ومنه قوله ـ تعالى ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ ..) وقوله ـ تعالى ـ (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ...).
أو يكون (وَاسْتَفْتَحُوا) من الفتاحة بمعنى الحكم والقضاء ، أى : واستحكموا الله
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٧١.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥١٨.