ـ تعالى ـ وطلبوا منه القضاء والحكم ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ).
والجملة الكريمة معطوفة على (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) ، والضمير يعود إلى الرسل.
والمعنى : والتمس الرسل من خالقهم ـ عزوجل ـ أن ينصرهم على أعدائه وأعدائهم ، وأن يحكم بحكمه العادل بينهم وبين هؤلاء المكذبين.
قالوا : ومما يؤيد ذلك قراءة ابن عباس ومجاهد وابن محيصن (وَاسْتَفْتَحُوا) ـ بكسر التاء ـ أمرا للرسل.
ومنهم من يرى أن الضمير يعود للفريقين : الرسل ومكذبيهم. أى : أن كل فريق دعا الله أن ينصره على الفريق الآخر.
وقوله (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) بيان لنتيجة الاستفتاح. والجبار : الإنسان المتكبر المغرور المتعالي على غيره ، المدعى لمنزلة أو لشيء ليس من حقه.
والعنيد : مأخوذ من العند ـ بفتح النون ـ بمعنى الميل. يقال : عند فلان عن الطريق ـ كنصر وضرب وكرم ـ عنودا ، إذا مال عنها. وعند فلان عن الحق ، إذا خالفه.
والجملة الكريمة معطوفة على محذوف ، والتقدير : واستفتحوا فنصر الله ـ تعالى ـ رسله على أعدائهم ، وخاب وخسر ، كل متكبر متجبر معاند للحق.
قال ابن كثير : قوله : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أى : متجبر في نفسه معاند للحق ، كما قال ـ تعالى ـ (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ* الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) (١).
وفي الحديث : «يؤتى بجهنم يوم القيامة ، فتنادى الخلائق فتقول : إنى وكلت بكل جبار عنيد ...» (٢).
وقال ـ سبحانه ـ (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) ولم يقل وخاب الذين كفروا كما هو مقتضى الظاهر من السياق ، للتنبيه على أن الذين كفروا كانوا جبابرة معاندين للحق ، وأن كل من كان كذلك فلا بد من أن تكون عاقبته الخيبة والخسران.
وقوله (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) صفة لجبار عنيد.
__________________
(١) سورة ق الآيات من ٢٤ ـ ٢٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٠٣.