يا ربنا اطمس على أموالهم بأن تهلكها وتزيلها وتمحقها من بين أيديهم ، حتى ترحم عبادك المؤمنين ، من سوء استعمال الكافرين لنعمك في الإفساد والأذى.
(وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) بأن تزيدها قسوة على قسوتها ، وعنادا على عنادها مع استمرارها على ذلك ، حتى يأتيهم العذاب الأليم الذي لا ينفع عند إتيانه إيمان ، ولا تقبل معه توبة ، لأنهما حدثا في غير وقتهما.
قال الجمل : «وهذا الطمس هو أحد الآيات التسع التي أوتيها موسى ـ عليهالسلام ـ (١).
وقال الإمام ابن كثير : «وهذه الدعوة كانت من موسى ـ عليهالسلام ـ غضبا لله ـ تعالى ـ ولدينه على فرعون وملئه. الذين تبين له أنه لا خير فيهم ، كما دعا نوح ـ عليهالسلام ـ على قومه فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ..) ولهذا استجاب الله ـ تعالى ـ لموسى ـ عليهالسلام ـ هذه الدعوة فيهم ..» (٢).
فقال : (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما ، وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
أى : قال الله ـ تعالى ـ لموسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ : أبشرا فقد أجبت دعوتكما في شأن فرعون وملئه (فَاسْتَقِيما) على أمرى ، وامضيا في دعوتكما الناس إلى الحق ، وأثبتا على ما أنتما عليه من الإيمان بي والطاعة لأمري.
(وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ما جرت به سنتي في خلقي ، ولا يدركون طريق الخير من طريق الشر.
وكان الجواب من الله ـ تعالى ـ لموسى وهارون ، مع أن الداعي موسى فقط كما صرحت الآيات السابقة ، لأن هارون كان يؤمن على دعاء أخيه موسى والتأمين لون من الدعاء.
هذا ، ومن الحكم والعظات التي نأخذها من هاتين الآيتين الكريمتين : أن من علامات الإيمان الصادق. أن يكون الإنسان غيورا على دين الله ، ومن مظاهر هذه الغيرة أن يتمنى زوال النعمة من بين أيدى المصرين على جحودهم وفسوقهم وبطرهم لأن وجود النعم بين أيديهم كثيرا ما يكون سببا في إيذاء المؤمنين ، وإدخال القلق والحيرة على نفوس بعضهم.
وأن الداعي متى توجه إلى الله ـ تعالى ـ بقلب سليم ، ولسان صادق ، كان دعاؤه مرجو القبول عنده ـ سبحانه ـ.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٣٧٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٢٥.