وقد سار على هذا الرأى صاحب الكشاف. فقد قال ما ملخصه : «فإن قلت : ما معنى قوله : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ)؟
قلت : هو دعاء بلفظ الأمر كقوله : ربنا اطمس واشدد. وذلك أنه لما عرض عليهم آيات الله وبيناته عرضا مكررا ، وردد عليهم النصائح والمواعظ زمانا طويلا. وحذرهم من عذاب الله ومن انتقامه ، وأنذرهم سوء عاقبة ما كانوا عليه من الكفر والضلال ، ورآهم لا يزيدون على عرض الآيات إلا كفرا وعلى الإنذار إلا استكبارا ، وعن النصيحة إلا نبوا ، ولم يبق له مطمع فيهم. وعلم بالتجربة وطول الصحبة أو بوحي من الله ، أنه لا يجيء منهم إلا الغي والضلال.
لما رأى منهم كل ذلك : اشتد غضبه عليهم ، وكره حالهم ، فدعا الله عليهم بما علم أنه لا يكون غيره وهو ضلالهم.
فكأنه قال : ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال ..» (١).
وعلى أية حال فهذه الأقوال الثلاثة ، لكل واحد منها اتجاهه في التعبير عن ضيق موسى ـ عليهالسلام ـ لإصرار فرعون وشيعته على الكفر ، ولما هم فيه من نعم لم يقابلوها بالشكر ، بل قابلوها بالجحود والبطر.
وإن كان الرأى الأول هو أظهرها في الدلالة على ذلك ، وأقربها إلى سياق الآية الكريمة.
قال الشوكانى : «وقرأ الكوفيون (لِيُضِلُّوا) بضم الياء. أى : ليوقعوا الإضلال على غيرهم. وقرأ الباقون بالفتح أى يضلون في أنفسهم» (٢).
وقوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ ، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ. فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) دعا عليهم بما يستحقونه من عقوبات بسبب إصرارهم على الكفر والضلال.
والطمس : الإهلاك والإتلاف ومحو أثر الشيء يقال : طمس الشيء ويطمس طموسا إذا زال بحيث لا يرى ولا يعرف لذهاب صورته.
والشد : الربط والطبع على الشيء ، بحيث لا يخرج منه ما هو بداخله ، ولا يدخل فيه ما هو خارج منه.
والمعنى : وقال موسى مخاطبا ربه : يا ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ، وقد أعطيتهم ذلك ليشكروك ، ولكنهم لم يفعلوا ، بل قابلوا عطاءك بالجحود ، اللهم
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٥.
(٢) تفسير فتح القدير ، للإمام الشوكانى ج ٢ ص ٤٧٠.