لدوا للموت وابنوا للخراب» أى : لما كان عاقبة أمرهم إلى الضلال ، صار كأنه أعطاهم ليضلوا» (١).
وقال صاحب المنار : «قوله : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أى : لتكون عاقبة هذا العطاء إضلال عبادك عن سبيلك الموصلة إلى مرضاتك باتباع الحق والعدل والعمل الصالح ، ذلك لأن الزينة سبب الكبر والخيلاء والطغيان على الناس ، وكثرة الأموال تمكنهم من ذلك ، وتخضع رقاب الناس لهم ، كما قال ـ تعالى ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).
فاللام في قوله (لِيُضِلُّوا) تسمى لام العاقبة والصيرورة ، وهي الدالة على أن ما بعدها أثر وغاية فعلية لمتعلقها ، يترتب عليه بالفعل لا بالسببية ، ولا بقصد فاعل الفعل الذي تتعلق به كقوله ـ تعالى ـ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ...) (٢).
ومنهم من يرى أن هذه اللام للتعليل ، والفعل منصوب بها ، فيكون المعنى :
وقال موسى مخاطبا ربه : يا ربنا إنك قد أعطيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ، وإنك يا ربنا قد أعطيتهم ذلك على سبيل الاستدراج ليزدادوا طغيانا على طغيانهم ، ثم تأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وشبيه بهذه الجملة في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣).
وقد رجح هذا المعنى الإمام ابن جرير فقال : «والصواب من القول في ذلك عندي أنها لام كي ، ومعنى الكلام : ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه ، ويضلوا عن سبيلك عبادك عقوبة منك لهم ، وهذا كما قال جل ثناؤه (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً. لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ.) (٤).
ومنهم من يرى أن هذه اللام هي لام الدعاء ، وأنها للدعاء عليهم بالزيادة من الإضلال والغواية فيكون المعنى :
وقال موسى يا ربنا إنك أعطيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ؛ اللهم يا ربنا زدهم ضلالا على ضلالهم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٧٤.
(٢) راجع تفسير المنار ج ١١ ص ٤٧٣.
(٣) سورة آل عمران الآية ١٧٨.
(٤) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ١٠٨.