وقوله ـ سبحانه ـ (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) أمر منه ـ عزوجل ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يهددهم بهذا المصير الأليم.
والتمتع بالشيء : الانتفاع به مع التلذذ والميل إليه.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الخاسرين ، تمتعوا بما شئتم التمتع به من شهوات ولذائذ ، فإن مصيركم إلى النار لا محالة.
قال صاحب فتح القدير ما ملخصه : قوله «قل تمتعوا» بما أنتم فيه من الشهوات ، وبما زينته لكم أنفسكم من كفران للنعم «فإن مصيركم إلى النار» أى : مرجعكم إليها ليس إلا.
ولما كان هذا حالهم ، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه لا يقلعون عنه. جعل ـ سبحانه ـ الأمر بمباشرته مكان النهى عن قربانه ، إيضاحا لما تكون عليه عاقبتهم ، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار.
فجملة «فإن مصيركم إلى النار» تعليل للأمر بالتمتع ، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره.
ويجوز أن تكون هذه الجملة جوابا لمحذوف دل عليه السياق كأنه قيل : قل تمتعوا فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار.
والأول أولى والنظم القرآنى عليه أدل ، وذلك كما يقال لمن يسعى في مخالفة السلطان : اصنع ما شئت من المخالفة فإن مصيرك إلى السيف» (١).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) (٣).
وقوله ـ تعالى ـ (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (٤).
وبعد هذا الأمر من الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بتهديد الكافرين ، وجه ـ سبحانه ـ أمرا آخر له صلىاللهعليهوسلم طلب منه فيه ، مواصلة دعوة المؤمنين إلى الاستمرار في التزود من العمل الصالح فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ).
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ١٠٩.
(٢) سورة الزمر الآية ٨.
(٣) سورة لقمان الآية ٢٤.
(٤) سورة آل عمران الآيتان ١٩٦ ، ١٩٧.