قال الجمل : «قوله «قل لعبادي ... إلخ» مفعول قل محذوف يدل عليه جوابه ، أى : قل لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا ـ وقوله : يقيموا وينفقوا مجزومان في جواب الأمر ، أى : إن قلت لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا ... يقيموا وينفقوا.
ويجوز أن يكون قوله «يقيموا وينفقوا» مجزومين بلام الأمر المقدرة.
أى : ليقيموا الصلاة ولينفقوا ...» (١).
والمراد بإقامة الصلاة : المواظبة على أدائها في أوقاتها المحددة لها ، مع استيفائها لأركانها وسننها وآدابها وخشوعها ، ومع إخلاص النية عند أدائها لله ـ تعالى ـ.
والمراد بالإنفاق : ما يشمل جميع وجوه الإنفاق الواجبة والمستحبة.
والمراد بقوله «سرا وعلانية» ما يتناول عموم الأحوال في الحرص على بذل المال في وجوهه المشروعة.
والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لعبادي المخلصين ، الذين آمنوا إيمانا حقا ، قل لهم : ليستزيدوا من المواظبة على أداء الصلاة ، وعلى الإنفاق مما رزقناهم في جميع الأحوال ، بأن يجعلوا نفقتهم في السر إذا كانت آداب الدين وتعاليمه تقتضي ذلك ، وأن يجعلوها في العلن إذا كانت المنفعة في ذلك.
والإضافة في قوله «لعبادي» للتشريف والتكريم لهؤلاء العباد المخلصين.
ولم تعطف هذه الآية الكريمة على ما قبلها وهو قوله (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) للإيذان بتباين حال الفريقين ، واختلاف شأنهما.
ومفعول «ينفقوا» محذوف والتقدير ينفقوا شيئا مما رزقناهم.
وعبر ـ سبحانه ـ بمن المفيدة للتبعيض في قوله (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) للاشعار بأنهم قوم عقلاء يبتعدون في إنفاقهم عن الإسراف والتبذير ، عملا بقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٢).
وهذا التعبير ـ أيضا ـ يشعر بأن هذا المال الذي بين أيدى عباده ـ سبحانه ـ ما هو إلا رزق رزقهم الله إياه ، ونعمة أنعم بها عليهم ، فعليهم أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر ، بأن ينفقوا جزءا منها في وجوه الخير.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٢٥.
(٢) سورة الفرقان الآية ٦٧.