شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده ، وهم غير معترفين بالإعادة؟.
قلت : قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن دفعه دافع كان مكابرا رادا الظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه ، ودلالة على أنهم في إنكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء. وقال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) فأمره بأن ينوب عنهم في الجواب. يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فتكلم أنت عنهم ..» (١).
وقوله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ). حجة أخرى تدمغ جهلهم ، جيء بها لتكون دليلا على قدرة الله على الهداية والإضلال ، عقب إقامة الأدلة على قدرته ـ سبحانه ـ على بدء الخلق وإعادتهم.
أى : قل لهم يا محمد ـ أيضا ـ على سبيل التهكم من أفكارهم : هل من شركائكم من يستطيع أن يهدى غيره إلى الدين الحق ، فينزل كتابا ، أو يرسل رسولا ، أو يشرع شريعة ، أو يضع نظاما دقيقا لهذا الكون. أو يحث العقول على التدبر والتفكر في ملكوت السموات والأرض ...؟
قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذي يفعل كل ذلك ، أما شركاؤكم فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من ذلك أو من غيره.
وقوله : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى ..) توبيخ آخر لهم على جهالاتهم وغفلتهم عن إدراك الأمور الواضحة.
أى : قل لهم يا محمد : أفمن يهدى غيره إلى الحق وهو الله ـ تعالى ـ. أحق أن يتبع فيما يأمر به وينهى عنه ، أم من لا يستطيع أن يهتدى بنفسه إلا أن يهديه غيره أحق بالاتباع؟ لا شك أن الذي يهدى غيره إلى الحق أحق بالاتباع من الذي هو في حاجة إلى أن يهديه غيره.
وقوله : (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) استفهام قصد به التعجيب من أحوالهم التي تدعو إلى الدهشة والغرابة.
أى : ما الذي وقع لكم ، وما الذي أصابكم في عقولكم حتى صرتم تشركون في العبادة مع الله الخالق الهادي ، مخلوقات لا تهدى بنفسها وإنما هي في حاجة إلى من يخلقها ويهديها.
قال الإمام الرازي : «واعلم أن الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أولا ثم بالهداية
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٣٦.