لك الشيطان خيالا منه تقديرا (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ).
والمعنى : أن الله ـ عزوجل ـ قدم ذكر بنى إسرائيل ، وهم قراء الكتاب ووصفهم بأن العلم قد جاءهم ، لأن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن ، وصحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ويبالغ في ذلك فقال : فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا. فسل علماء أهل الكتاب يعنى أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك ، بحيث يصلحون لمراجعة مثلك ، فضلا عن غيرك.
فالغرض وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا وصفه بالشك فيه.
ويجوز أن يكون على طريق التهييج والإلهاب كقوله (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ ..) ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم عند نزوله : «لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق».
وقيل : خوطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمراد خطاب أمته.
ومعناه : «فإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم ..» (١).
وقوله (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) كلام مستأنف مؤكد لاجتثاث إرادة الشك.
والتقدير : أقسم لقد جاءك الحق الذي لا لبس فيه من ربك لا من غيره ، فلا تكونن من الشاكين المترددين في صحة ذلك.
وقوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) تعريض بأولئك الشاكين والمكذبين له صلىاللهعليهوسلم من قومه. أى : ولا تكونن من القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدقك فيما تبلغه عنا ، فتكون بذلك من الخاسرين الذين أضاعوا دنياهم وأخراهم.
قال الآلوسى : «وفائدة النهى في الموضعين التهييج والإلهاب نظير ما مر. والمراد بذلك الإعلام بأن الامتراء والتكذيب قد بلغا في القبح والمحذورية إلى حيث ينبغي أن ينهى عنهما من لا يمكن أن يتصف بهما ، فكيف بمن يمكن اتصافه بذلك ..» (٢).
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٥٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٦٨.