والمراد (مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) هنا : ما أوحاه الله ـ تعالى ـ إلى نبيه صلىاللهعليهوسلم من قصص حكيم يتعلق بأنبياء الله ـ تعالى ـ ورسله.
قال الآلوسى : «وخصت القصص بالذكر ، لأن الأحكام المنزلة عليه صلىاللهعليهوسلم ناسخة لأحكامهم ، ومخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها» (١).
والمراد بالكتاب : جنسه فيشمل التوراة والإنجيل.
والمعنى : فإن كنت أيها الرسول الكريم ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ في شك مما أنزلنا إليك من قصص حكيم كقصة موسى ونوح وغيرهما (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) وهم علماء أهل الكتاب ، فإن ما قصصناه عليك ثابت في كتبهم.
فليس المراد من هذه الآية ثبوت الشك للرسول صلىاللهعليهوسلم وإنما المراد على سبيل الفرض والتقدير ، لا على سبيل الثبوت.
قال ابن كثير : «قال قتادة بن دعامة : بلغنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا أشك ولا أسأل».
وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري ، وهذا فيه تثبيت للأمة ، وإعلام لهم بأن صفة نبيهم صلىاللهعليهوسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدى أهل الكتاب ، كما قال ـ تعالى ـ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ..) (٢).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ في شأن عيسى ـ عليهالسلام ـ : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ..).
فعيسى ـ عليهالسلام ـ يعلم علم اليقين أنه لم يقل ذلك ، وإنما يفرض قوله فرضا. ليستدل عليه بأنه لو قاله لعلمه الله ـ تعالى ـ منه.
أى : إن كنت قلته ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ فقولي هذا لا يخفى عليك.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : كيف قال الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ..)؟
قلت : هو على سبيل الفرض والتمثيل. كأنه قيل : فإن وقع لك شك ـ مثلا ـ وخيل
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٦٨.
(٢) تفسير أبن كثير ج ٤ ص ٢٣١.