والتعظيم ، وأسند التلاوة إلى الآيات بصيغة المبنى للمفعول ، للإشارة إلى أن هذه الآيات لوضوحها ، ولمعرفتهم التامة لتاليها ، صارت بغير حاجة إلى تعيين تاليها صلىاللهعليهوسلم.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : فماذا كان غرضهم ـ وهم أدهى الناس وأمكرهم ـ في هذا الاقتراح؟
قلت : الكيد والمكر. أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وأنك قادر على مثله ، فأبدل مكانه آخر ، وأما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال ، وأنه إذا وجد منه تبديل ، فإما أن يهلكه الله فينجوا هم منه أو لا يهلكه فيسخروا منه ، ويجعلوا التبديل حجة عليه ، وتصحيحا لافترائه على الله» (١).
وقوله : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) هذا القول أمر من الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يرد عليهم بما يزهق باطلهم.
وكلمة (تِلْقاءِ) مصدر من اللقاء كتبيان من البيان ، وكسر التاء فيهما سماعي ، والقياس في هذا المصدر فتحها كالتكرار والتطواف والتجوال.
والمعنى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل التوبيخ : لا يصح لي بحال من الأحوال ، أن أبدل هذا القرآن من عند نفسي ومن جهتها ؛ وإنما أنا أبلغكم ما أنزل الله على منه ، بدون زيادة أو نقصان ، أو تغيير أو تبديل.
وقوله : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) تعليل لمضمون ما قبله من امتناع الإتيان بغيره أو تبديله ، والاقتصار على اتباع الوحى.
أى : إنى أخاف إن عصيت ربي أية معصية ، عذاب يوم عظيم الهول ، وإذا كان شأنى أن أخشاه ـ سبحانه ـ من أية معصية ولو كانت صغيرة ، فكيف لا أخشاه إن عصيت بتبديل كلامه استجابة لأهوائكم؟
ثم لقن الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم ردا آخر عليهم ، زيادة في تسفيه أفكارهم فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ، وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وقوله : (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) بمعنى ولا أعلمكم وأخبركم به ، أى : بهذا القرآن. يقال : دريت الشيء وأدرانى الله به ، أى أعلمنى وأخبرنى به.
وأدرى فعل ماض ، وفاعله مستتر يعود على الله ـ عزوجل ـ والكاف والميم مفعول به.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٢٩.