بأهلك ـ تعنى نفسها ـ سوءا ، أى ما يسوؤك ويؤلمك ، إلا أن يسجن ، عقوبة له ، أو أن يعذب عذابا أليما عن طريق الضرب او الجلد ، لتجاوزه الحدود ، واعتدائه على أهلك.
وهذه الجملة الكريمة التي حكاها القرآن الكريم عنها ، تدل على أن تلك المرأة كانت في نهاية المكر والدهاء والتحكم في إرادة زوجها ...
ورحم الله الآلوسى فقد علق على قولها هذا الذي حكاه القرآن عنها بقوله ما ملخصه : «ولقد آتت ـ تلك المرأة ـ في هذه الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعي ـ حيث شاهدها زوجها على تلك الحالة المريبة ـ بحيلة جمعت فيها غرضيها ، وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر حالها ، واستنزال يوسف عن رأيه في استعصائه عليها ، وعدم طاعته لها ، بإلقاء الرعب في قلبه ...
ولم تصرح بالاسم ، بل أتت بلفظ عام «من أراد بأهلك سوءا ..» تهويلا للأمر ، ومبالغة في التخويف ، كأن ذلك قانون مطرد في حق كل من أراد بأهله سوءا.
وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز ، إعظاما للخطب ...
ثم إن حبها الشديد ليوسف ـ عليهالسلام ـ حملها على أن تبدأ بذكر السجن ، وتؤخر ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب ، لا سيما أن قولها : «إلا أن يسجن ...» قد يكون المراد منه السجن لمدة يوم أو يومين ...» (١).
والحق أن هذه الجملة التي حكاها القرآن عنها ، تدل على اكتمال قدرتها على المكر والدهاء ـ كما سبق أن أشرنا ـ ومن مظاهر ذلك ، محاولتها إيهام زوجها بأن يوسف قد اعتدى عليها بما يسوؤها ويسوؤه ، ولكن بدون تصريح بهذا العدوان ـ شأن العاشق مع معشوقه ـ حتى لا يسعى زوجها في التخلص منه ببيعه ـ مثلا ـ.
وفي الوقت نفسه إفهام يوسف عن طريق مباشر ، بأن أمره بيدها لا بيد زوجها ، وأنها هي الآمرة الناهية ، فعليه أن يخضع لما تريده منه ، وإلا فالسجن أو العذاب الأليم هو مصيره المحتوم.
وهنا نجد يوسف ـ عليهالسلام ـ لا يجد مفرا من الرد على هذا الاتهام الباطل ، فيقول ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ...).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٩٥.