وفي هذا الاستدراك ، مدح لتلك القلة المؤمنة من الناس ، وهم أولئك الذين فتحوا قلوبهم للحق منذ أن وصل إليهم ، فآمنوا به ، واعتصموا بحبله ، ودافعوا عنه بأموالهم وأنفسهم وعلى رأس هذه القلة التي آمنت بالحق منذ أن بلغها : أبو بكر الصديق وغيره من السابقين إلى الإسلام.
ثم أقام ـ سبحانه ـ الأدلة المتنوعة عن طريق المشاهدة ـ على كمال قدرته ، وعلى وجوب إخلاص العبادة له فقال ـ تعالى ـ (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها).
والعمد : جمع عماد ، وهو ما تقام عليه القبة أو البيت.
وجملة (تَرَوْنَها) في محل نصب حال من السموات.
أى : الله ـ سبحانه ـ هو الذي رفع هذه السموات الهائلة في صنعها وفي ضخامتها ، بغير مستند يسندها ، وبغير أعمدة تعتمد عليها ، وأنتم ترون ذلك بأعينكم بجلاء ووضوح.
والمراد بقوله (رَفَعَ) أى خلقها مرتفعة منذ البداية ، وليس المراد أنه ـ سبحانه ـ رفعها بعد أن كانت منخفضة.
ولا شك أن خلق السموات على هذه الصورة من أكبر الأدلة على أن لهذا الكون خالقا قادرا حكيما ، هو المستحق للعبادة والطاعة.
وقوله ـ سبحانه ـ (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) معطوف على ما قبله ، وهو دليل آخر على قدرة الله ـ تعالى ـ عن طريق الغائب الهائل الذي تتقاصر دونه المدارك بعد أن أقام الأدلة على ذلك عن طريق الحاضر المشاهد.
الاستواء في اللغة يطلق على معان منها الاستقرار كما في قوله ـ تعالى ـ (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) أى : استقرت ، وبمعنى الاستيلاء والقهر.
وعرش الله ـ تعالى ـ مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم ـ كما يقول الراغب ـ.
وقد ذكر لفظ العرش في إحدى وعشرين آية ، كما ذكر الاستواء على العرش في سبع آيات من القرآن الكريم.
والمعنى : ثم استوى على العرش استواء يليق بذاته ـ تعالى ـ بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل ، لاستحالة اتصافه ـ سبحانه ـ بصفات المحدثين.
قال الإمام مالك ـ رحمهالله ـ : «الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة».