وشبيه بهذه الجملة قوله ـ تعالى ـ (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١).
قال صاحب الكشاف : وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم أى الملأ من قوم نوح ـ كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام ، يعتقدون ذلك ، ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم ، ولقد زال عنهم أن التقدم في الدنيا ـ مع ترك الآخرة ـ لا يقرب أحدا من الله وإنما يبعده ، ولا يرفعه بل يضعه ، فضلا عن أن يجعله سببا في الاختيار للنبوة والتأهيل لها ...» (٢).
ثم أضافوا إلى مزاعمهم السابقة زعما جديدا فقالوا : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ).
والفضل : الزيادة في الشرف والغنى وغيرهما مما يتميز به الإنسان عن غيره.
والمراد هنا : آثاره التي تدل عليه.
أى : أنت يا نوح لست إلا بشرا مثلنا ، وأتباعك هم أحقرنا شأنا ، وما نرى لك ولمتبعيك شيئا من الزيادة علينا لا في العقل ولا في غيره ، بل إننا لنعتقد أنكم كاذبون في دعواكم أنكم على الحق ، لأن الحق في نظرنا هو في عبادة هذه الأصنام التي عبدها من قبلنا آباؤنا.
وهكذا نرى أن الملأ من قوم نوح ـ عليهالسلام ـ قد عللوا كفرهم بما جاءهم به بثلاث علل ، أولها : أنه بشر مثلهم وثانيها : أن أتباعه من فقرائهم وثالثها : أنه لا مزية له ولأتباعه عليهم ..
وهي كلها علل باطلة ، تدل على جهلهم ، وانطماس بصيرتهم ، ويدل على ذلك ، رد نوح ـ عليهالسلام ـ الذي حكاه القرآن في قوله ـ تعالى ـ :
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ
__________________
(١) سورة الشعراء الآية ١١١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٦٥.