قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ)(٣١)
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ....).
أى : قال نوح ـ عليهالسلام ـ في رده على الملأ الذين كفروا من قومه : (يا قَوْمِ) أى : يا أهلى وعشيرتي الذين يسرني ما يسرهم ويؤلمنى ما يؤلمهم.
(أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أى : أخبروني إن كنت على بصيرة من أمرى ، وحجة واضحة من ربي ، بها يتبين الحق من الباطل.
(وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) أى : ومنحني بفضله وإحسانه النبوة التي هي طريق الرحمة لمن آمن بها ، واتبع من اختاره الله لها. فالمراد بالرحمة هنا النبوة (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أى : فأخفيت عليكم هذه الرحمة ، وغاب عنكم الانتفاع بهداياتها ، لأنكم ممن استحب العمى على الهدى.
يقال : عمّى على فلان الأمر : أى أخفى عليه حتى صار بالنسبة اليه كالأعمى قال صاحب المنار : قرأ الجمهور فعميت ـ بالتخفيف ـ كخفيت وزنا ومعنى. قال ـ تعالى ـ (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ).
وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد والبناء للمفعول (فَعُمِّيَتْ) أى : فحجبها عنكم جهلكم وغروركم ..
والتعبير بعميت مخففة ومشددة أبلغ من التعبير بخفيت وأخفيت ، لأنه مأخوذ من العمى المقتضى لأشد أنواع الخفاء (١).
والاستفهام في قوله : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) للإنكار والنفي.
أى : إذا كانت الهداية إلى الخير التي جئتكم بها قد خفيت عليكم مع وضوحها وجلائها ،
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٢ ص ٦٤.