وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ..) استثناء من هؤلاء الناس الذين لا يصبرون عند الشدة ، ولا يشكرون عند الرخاء.
أى : إلا الذين صبروا على النعمة كما صبروا على الشدة ، وعملوا في الحالتين الأعمال الصالحات التي ترضى الله ـ تعالى ـ.
(أُولئِكَ) الموصوفون بذلك (لَهُمْ) من الله ـ تعالى ـ (مَغْفِرَةٌ) عظيمة تمسح ذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) منه ـ سبحانه ـ لهم. جزاء صبرهم الجميل ، وعملهم الصالح.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «والذي نفسي بيده ، لا يقضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد غير المؤمن».
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض أقوال المشركين ، التي كان النبي صلىاللهعليهوسلم يضيق بها صدره ، ويحزن منها نفسه ، فقال ـ تعالى ـ :
(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(١٢)
قال الفخر الرازي ـ رحمهالله ـ : روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما أن رؤساء مكة قالوا يا محمد ، اجعل لنا جبال مكة ذهبا إن كنت رسولا. وقال آخرون : ائتنا بالملائكة يشهدون بنبوتك. فقال : لا أقدر على ذلك فنزلت هذه الآية» (١).
ولفظ لعل كما يقول الآلوسى ـ للترجى ، وهو يقتضى التوقع ، ولا يلزم من توقع الشيء وقوعه ولا ترجح وقوعه ، لجواز أن يوجد ما يمنع منه ، فلا يشكل بأن توقع ترك التبليغ منه صلىاللهعليهوسلم مما لا يليق بمقام النبوة ، لأن المانع منه هنا ثبوت عصمته صلىاللهعليهوسلم عن كتم شيء أمر بتبليغه ... والمقصود بهذا الأسلوب هنا تحريضه صلىاللهعليهوسلم وتهييج داعيته لأداء الرسالة ، ويقال نحو ذلك في كل توقع نظير هذا التوقع».
و (تارِكٌ) اسم فاعل من الفعل ترك. و (ضائِقٌ) اسم فاعل من الفعل ضاق ، وهو معطوف على (تارِكٌ).
__________________
(١) التفسير الكبير للفخر الرازي ج ١٧ ص ١٩٢ طبعة عبد الرحمن محمد سنة ١٣٥٧ ه.