والمراد ببعض ما يوحى إليه صلىاللهعليهوسلم في قوله ـ سبحانه ـ (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) : ما نزل عليه : من قرآن فيه استهزاء بآلهتهم ، وتسفيه لعقولهم التي استساغت أن تشرك مع الله ـ تعالى ـ في عبادتها آلهة أخرى».
والضمير المجرور في قوله ـ سبحانه ـ (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) يعود الى البعض الموحى به ، وقيل يعود للتبليغ ، وقيل للتكذيب.
وجملة (أَنْ يَقُولُوا) في محل نصب على أنها مفعول لأجله ، أى : كراهة أو خشية أن يقولوا.
والكنز : يطلق على المال الكثير المجموع بعضه إلى بعض سواء أكان في بطن الأرض أم في ظهرها ، ومرادهم بإنزاله هنا : أن ينزل على الرسول صلىاللهعليهوسلم من السماء مال كثير يغنيه هو وأصحابه ، ويجعلهم في رغد من العيش ، بدل ما يبدو على بعضهم من فقر وفاقة ..
والمعنى : ليس خافيا علينا ـ أيها الرسول الكريم ـ ما يفعله المشركون معك ، من تكذيب لدعوتك ، ومن جحود لرسالتك ، ومن مطالب متعنتة يطلبونها منك ...
ليس خافيا علينا شيئا من ذلك ، ولعلك إزاء مسالكهم القبيحة هذه ، تارك تبليغ بعض ما يوحى إليك ، وهو ما يثير غضبهم ، وضائق صدرك بهذا التبليغ ، كراهة تكذيبهم لوحى الله ، واستهزائهم بدعوتك ، وقولهم لك على سبيل التعنت : هلا أنزل إليك من السماء مال كثير تستغني به وتغنى أتباعك ، وهلا كان معك ملك يصاحبك في دعوتك ، ويشهد أمامنا بصدقك. ويؤيدك في تحصيل مقصودك ..
لا ـ أيها الرسول الكريم ـ لا تترك شيئا من تبليغ ما أمرك الله بتبليغه لهؤلاء المشركين ، ولا يضيق صدرك بأفعالهم الذميمة ، وبأقوالهم الباطلة ، بل واصل دعوتك لهم إلى طريق الحق ، فما عليك إلا الإنذار ، أما نحن فإلينا إيابهم ، وعلينا حسابهم.
وعبر ـ سبحانه ـ عن تأثر الرسول صلىاللهعليهوسلم من مواقفهم المتعنتة باسم الفاعل (ضائِقٌ) لا بالصفة المشبهة «ضيق» لمراعاة المقابل وهو قوله (تارِكٌ) ، وللإشارة إلى أن هذا الضيق مما يعرض له صلىاللهعليهوسلم أحيانا ، وليس صفة ملازمة له ، لأن اسم الفاعل يقتضى الحدوث والانقطاع ، بخلاف الصفة المشبهة فتقتضى الثبات والدوام.
وأبرز ـ سبحانه ـ هنا صفة الإنذار للرسول صلىاللهعليهوسلم مع أن وظيفته الإنذار والتبشير ، لأن المقام هنا يستوجب ذلك ، إذ أن هؤلاء المشركين قد تجاوزوا كل حد في الإساءة إليه صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) تذييل قصد به زيادة تثبيته وتحريضه