ثم رسم القرآن صورة مشرقة للقلوب المؤمنة ، وللجزاء الحسن الذي أعده الله لها فقال ـ تعالى ـ (الَّذِينَ آمَنُوا) حق الإيمان ، (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أى : تستقر قلوبهم وتسكن ، بسبب تدبرهم لكلامه المعجز وهو القرآن الكريم وما فيه من هدايات.
وإطلاق الذكر على القرآن الكريم ورد في آيات منها قوله ـ تعالى ـ (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (١) وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٢).
وقوله : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أى : ألا بذكره وحده دون غيره من شهوات الحياة تسكن القلوب أنسا به ، ومحبة له.
ويصح أن يراد بذكر الله هنا ما يشمل القرآن الكريم ، ويشمل ذكر الخالق ـ عزوجل ـ باللسان ، فإن إجراءه على اللسان ينبه القلوب إلى مراقبته ـ سبحانه ـ كما يصح أن يراد به خشيته ـ سبحانه ـ ومراقبته بالوقوف عند أمره ونهيه.
إلا أن الأظهر هنا أن يراد به القرآن الكريم ، لأنه الأنسب للرد على المشركين الذين لم يكتفوا به كمعجزة دالة على صدقه صلىاللهعليهوسلم وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه.
واختير الفعل المضارع في قوله ـ سبحانه ـ (تَطْمَئِنُ) مرتين في آية واحدة ، للإشارة إلى تجدد الاطمئنان واستمراره ، وأنه لا يتخلله شك ولا تردد.
وافتتحت جملة (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) بأداة الاستفتاح المفيدة للتنبيه ، للاهتمام بمضمونها ، وللإغراء بالإكثار من ذكره ـ عزوجل ـ ، ولإثارة الكافرين إلى الاتسام بسمة المؤمنين لتطمئن قلوبهم.
ولا تنافى بين قوله ـ تعالى ـ هنا (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وبين قوله في سورة الأنفال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...) أى : خافت.
لأن وجلهم إنما هو عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب. أو وجلت من هيبته وخشيته ـ سبحانه ـ وهو لا ينافي اطمئنان الاعتماد والرجاء.
وقوله ـ تعالى ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) بيان للثواب الجزيل الذي أعده ـ سبحانه ـ للمؤمنين الصادقين.
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ٥٠.
(٢) سورة الحجر الآية ٩.