أى : ويقول الكافرون على سبيل العناد والجحود ، هلا أنزل على هذا الرسول آية كونية تدل على صدقه ، كأن يحيى لنا موتانا ، أو أن يحول لنا جبل الصفا ذهبا ...
وكأنهم يرون أن القرآن الذي نزل عليه صلىاللهعليهوسلم لا يكفى ـ في زعمهم ـ أن يكون آية ومعجزة شاهدة على صدقه.
وقد أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يرد عليهم بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ).
أى : قل لهم أيها الرسول الكريم على سبيل التعجيب من أحوالهم ومن شدة ضلالهم : إن الله ـ تعالى ـ يضل عن طريق الحق من يريد إضلاله ، لاستحباب هذا الضال العمى على الهدى ، ويهدى إلى صراطه المستقيم ، من أناب إليه ـ سبحانه ـ ورجع إلى الحق الذي جاء به رسوله صلىاللهعليهوسلم بقلب سليم. وعقل متفتح لمعرفة الصواب والرشاد.
فالجملة الكريمة تعجيب من أقوالهم الباطلة ، ومن غفلتهم عن الآيات الباهرة التي أعطاها الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم وعلى رأسها القرآن الكريم الذي هو آية الآيات ، وحض لهم على الإقلاع عما هم عليه من العتو والعناد.
والإنابة : الرجوع إلى الشيء بعد تردد ، فقد جرت عادة كثير من النفوس البشرية أن يعرض عليها الحق فتتردد في قبوله في أول الأمر ، ثم تعود إلى قبوله واعتناقه بعد قيام الدلائل على صحته وسلامته من الفساد.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف طابق قولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) قوله (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ...)؟
قلت : هو كلام يجرى مجرى التعجب من قولهم ، وذلك أن الآيات الباهرة والمتكاثرة التي أوتيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يؤتها نبي قبله ، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية. فإذا جحدوها ولم يهتدوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط ، كان موضعا للتعجب والاستنكار ، فكأنه قيل لهم : ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم ، إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة في الكفر ، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ) كان على خلاف صفتكم (أَنابَ) أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير» (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٥٩.