ثم قال : ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك ، كما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن جابر قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا تدعوا على أنفسكم ، لا تدعوا على أولادكم ، لا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم».
وقال مجاهد في تفسير هذه الآية : هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه : اللهم لا تبارك فيه والعنه ، فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم (١).
أما الإمام الآلوسى فقد حكى هذين الوجهين ، ورجح الأول منهما فقال : «قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ ...) وهم الذين لا يرجون لقاء الله ـ تعالى ـ المذكورون في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ...) والمراد لو يعجل الله لهم الشر الذي كانوا يستعجلون به تكذيبا واستهزاء ...» ، وأخرج ابن جرير عن قتادة : أنه قال : «هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له ، وفيه حمل الناس على العموم ، والمختار الأول ، ويؤيده ما قيل : من أن الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال : «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم» (٢).
والذي يبدو لنا أن كون لفظ الناس للجنس أولى ، ويدخل فيه المشركون دخولا أوليا ، لأنه لا توجد قرينة تمنع من إرادة ذلك ، وحتى لو صح ما قيل من أن الآية نزلت في النضر بن الحارث ، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقوله (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) منصوب على المصدرية ، والأصل : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلا مثل استعجالهم بالخير ، فحذف تعجيلا وصفته المضافة ، وأقيم المضاف إليه مقامها.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يشير إلى الحكمة في عدم تعجيل العقوبة فقال : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
والطغيان : مجاوزة الحد في كل شيء ، ومنه طغى الماء إذا ارتفع وتجاوز حده.
ويعمهون : من العمه ، يقال : عمه ـ كفرح ومنع ـ عمها ، إذا تحير وتردد فهو عمه وعامه.
أى : لا نعجل للناس ما طلبوه من عقوبات ، وإنما نترك الذين لا يرجون لقاءنا إلى يوم
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٠٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٧٩.