والمراد بالناس هنا ـ عند عدد من المفسرين ـ : المشركون الذي وصفهم الله ـ تعالى ـ قبل ذلك بأنهم لا يرجون لقاءه ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها.
ولقد حكى القرآن في كثير من آياته ، أن المشركين قد استعجلوا الرسول صلىاللهعليهوسلم في نزول العذاب ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ، وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ ، وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (١) ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢).
والمعنى : ولو يعجل الله ـ تعالى ـ لهؤلاء المشركين العقوبة التي طلبوها ، تعجيلا مثل استعجالهم الحصول على الخير (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أى : لأميتوا وأهلكوا جميعا ، ولكن الله ـ تعالى ـ الرحيم بخلقه ، الحكيم في أفعاله ، لا يعجل لهم العقوبة التي طلبوها كما يعجل لهم طلب الخير لحكمة هو يعلمها ؛ فقد يكون من بين هؤلاء المتعجلين للعقوبة من يدخل في الإسلام ، ويتبع الرسول صلىاللهعليهوسلم.
قال الإمام الرازي : «فقد بين ـ سبحانه ـ في هذه الآية : أنهم لا مصلحة لهم في تعجيل إيصال الشر إليهم ، لأنه ـ تعالى ـ لو أوصل ذلك العقاب إليهم لماتوا وهلكوا ، ولا صلاح في إماتتهم ، فربما آمنوا بعد ذلك ، وربما خرج من أصلابهم من كان مؤمنا ، وذلك يقتضى أن لا يعاجلهم بإيصال ذلك الشر» (٣).
ومن العلماء من يرى أن المراد بالناس هنا ما يشمل المشركين وغيرهم ، وأن الآية الكريمة تحكى لونا من ألوان لطف الله بعباده ورحمته بهم.
ومن المفسرين الذين اقتصروا على هذا الاتجاه في تفسيرهم الإمام ابن كثير ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : يخبر ـ تعالى ـ عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم ، أو أموالهم أو أولادهم بالشر في حال ضجرهم وغضبهم ، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفا ورحمة ، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والسخاء ، ولهذا قال : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ..) أى لو استجاب لهم جميع ما دعوه به في ذلك لأهلكهم.
__________________
(١) سورة العنكبوت الآيتان ٥٢ ، ٥٣.
(٢) سورة الأنفال الآية ٤٢.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ٤٨ طبعة عبد الرحمن محمد.