وظهروا ظهورا لا خفاء معه ، لكي يحاسبهم ـ سبحانه ـ على أعمالهم في الدنيا.
وقال ـ سبحانه ـ (وَبَرَزُوا) بلفظ الفعل الماضي مع أن الحديث عن يوم القيامة ، للتنبيه على تحقق وقوع هذا الخروج ، وأنه كائن لا محالة.
وعبر ـ سبحانه ـ بهذا التعبير ، مع أنهم لا يخفون عليه سواء أبرزوا أم لم يبرزوا ، لأنهم كانوا في الدنيا يستترون عن العيون عند اجتراحهم السيئات ويظنون أن ذلك يخفى على الله ـ عزوجل ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يقوله الضعفاء للمستكبرين في هذا الموقف العصيب فقال :
(فَقالَ الضُّعَفاءُ) وهم العوام والأتباع الذين فقدوا نعمة التفكير ، ونعمة حرية الإرادة ، فهانوا وذلوا ..
قال هؤلاء الضعفاء (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم السادة المتبوعون الذين كانوا يقودون أتباعهم إلى طريق الغي والضلال.
(إِنَّا كُنَّا لَكُمْ) ـ أيها السادة ـ (تَبَعاً) جمع تابع كخادم وخدم.
أى : إنا كنا في الدنيا تابعين لكم ، ومنقادين لأمركم ، في تكذيب الرسل ، وفي كل ما تريدونه منا.
والاستفهام في قوله ـ سبحانه ـ (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) للتقريع والتفجع.
ومغنون من الإغناء بمعنى الدفاع والنصرة.
قال الشوكانى : «يقال : أغنى عنه إذا دفع عنه الأذى ، وأغناه إذا أوصل إليه النفع» (١).
أى : فهل أنتم ـ أيها المستكبرون ـ دافعون عنا شيئا من عذاب الله النازل بنا ، حتى ولو كان هذا الشيء المدفوع قليلا؟ إن كان في إمكانكم ذلك فأظهروه لنا ، فقد كنتم في الدنيا سادتنا وكبراءنا ، وكنتم تزعمون أنكم أصحاب الحظوة يوم القيامة.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : أى فرق بين «من» في «من عذاب الله» وبينه في «من شيء»؟
قلت : الأولى للتبيين ، والثانية للتبعيض ، كأنه قيل : هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء
__________________
(١) تفسير الشوكانى ج ٣ ص ٣.