الذي هو عذاب الله؟ ويجوز أن يكونا للتبعيض معا بمعنى : هل أنتم مغنون عنا بعض شيء ، هو بعض عذاب الله؟ أى : بعض بعض عذاب الله» (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ رد المستكبرين على المستضعفين فقال : (قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ ..).
أى : قال المستكبرون ـ بضيق وتحسر ـ في ردهم على المستضعفين : لو هدانا الله ـ تعالى ـ إلى الإيمان الموصل إلى النجاة من هذا العذاب الأليم «لهديناكم» إليه ، ولكن ضللنا عنه وأضللناكم معنا ، واخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا ، ولو كنا نستطيع النفع لنفعنا أنفسنا.
ثم أضافوا إلى ذلك قولهم : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ).
والجزع : حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده لشدة اضطرابه وذهوله.
يقال : جزع فلان يجزع جزعا وجزوعا ، إذا ضعف عن حمل ما نزل به ولم يجد صبرا.
والمحيص : المهرب والمنجى من العذاب. يقال : حاص فلان عن الشيء يحيص حيصا ومحيصا ، إذا عدل عنه على جهة الهرب والفرار.
أى : مستو عندنا الجزع مما نحن فيه من عذاب ، والصبر على ذلك ، وليس لنا من مهرب أو منجى من هذا المصير الأليم.
فالآية الكريمة تحكى أقوال الضعفاء يوم القيامة ، وهي أقوال يبدو فيها طابع الذلة والمهانة كما هو شأنهم في الدنيا ، كما تحكى رد المستكبرين عليهم ، وهو رد يبدو فيه التبرم والتفجع والتأنيب من طرف خفى لهؤلاء الضعفاء ، والتسليم بالواقع الأليم الذي لا محيص لهم عنه.
قال الإمام ابن كثير : «قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله ـ تعالى ـ ، تعالوا نبك ونتضرع إلى الله ، فبكوا وتضرعوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا : تعالوا ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر ، تعالوا حتى نصبر ، فصبروا صبرا لم ير مثله ، فلم ينفعهم ذلك. فعند ذلك قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يقوله الشيطان لأتباعه يوم القيامة ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٧٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٠٨.