أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً ...) الآية (١).
والهمزة في قوله «أكان» لإنكار تعجبهم ، ولتعجب السامعين منه لوقوعه في غير موضعه.
وقوله (لِلنَّاسِ) جار ومجرور حال من قوله (عَجَباً) والمراد بهم مشركو مكة ومن لف لفهم في إنكار ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (عَجَباً) خبر كان ، والعجب والتعجيب ـ استعظام أمر خفى سببه.
وقوله : (أَنْ أَوْحَيْنا) في تأويل مصدر أى : إيحاؤنا ، وهو اسم كان. والوحى : الإعلام في خفاء ، والمقصود به ما أوحاه الله ـ تعالى ـ إلى نبيه صلىاللهعليهوسلم من قرآن وغيره.
وقوله : (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) أى إلى بشر من جنسهم يعرفهم ويعرفونه.
وقوله : (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) الإنذار إخبار معه تخويف في مدة تتسع التحفظ من المخوف منه ، فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار ، وأكثر ما يستعمل في القرآن في التخويف من عذاب الله ـ تعالى ـ :
والمراد بالناس هنا : جميع الذين يمكنه صلىاللهعليهوسلم أن يبلغهم دعوته.
وقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) البشارة : إخبار معه ما يسر فهو أخص من الخبر ، سمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة التي هي ظاهر الجلد.
وقوله : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أى أن لهم سابقة ومنزلة رفيعة عند ربهم.
وأصل القدم العضو المخصوص. وأطلقت على السبق ، لكونها سببه وآلته ، فسمى المسبب باسم السبب من باب المجاز المرسل ، كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد.
وأصل الصدق أن يكون في الأقوال ، ويستعمل أحيانا في الأفعال فيقال : فلان صدق في القتال ، إذا وفاه حقه ، فيعبر بصفة الصدق عن كل فعل فاضل.
وإضافة القدم إلى الصدق من إضافة الموصوف إلى الصفة كقولهم : مسجد الجامع ، والأصل قدم صدق. أى محققة مقررة. وفيه مبالغة لجعلها عين الصدق. ثم جعل الصدق كأنه صاحبها.
ويجوز أن تكون إضافة القدم إلى الصدق من باب إضافة المسبب إلى السبب ، وفي ذلك
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٠٦ طبعة عيسى الحلبي.