الصانع؟ فقال له : أخبرنى عن حرفتك : فقال : أنا رجل أتجر في البحر. فقال له : صف لي كيفية حالك. فقال : ركبت البحر فانكسرت السفينة وبقيت على لوح واحد من ألواحها ، وجاءت الرياح العاصفة. فقال جعفر : هل وجدت في قلبك تضرعا ودعاء. فقال : نعم. فقال جعفر : فإلهك هو الذي تضرعت إليه في ذلك الوقت» (١).
وقد ساق صاحب المنار قصة ملخصها «أن رجلا إنجليزيا قرأ ترجمة قوله ـ تعالى ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.) فراعته بلاغة وصفها لطغيان البحر .. وكان يعمل قائدا لإحدى السفن .. فسأل بعض المسلمين : أتعلمون أن نبيكم صلىاللهعليهوسلم قد سافر في البحار؟ فقالوا له : لا .. فأسلم الرجل لأنه اعتقد أن القرآن ليس من كلام البشر وإنما هو كلام الله ـ تعالى ...» (٢).
٣ ـ دل قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ...) على أن البغي يجازى أصحابه عليه في الدنيا والآخرة.
فأما في الآخرة فهو ما دل عليه إنذار أهله بأنه ـ سبحانه ـ سيجازيهم عليه أسوأ الجزاء.
وأما في الدنيا فبدليل قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ويؤيده ما رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ما من ذنب يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة سوى البغي وقطيعة الرحم» (٣).
قال الآلوسى. وفي الآية من الزجر عن البغي ما لا يخفى «فقد أخرج أبو نعيم والخطيب والديلمي وغيرهم عن أنس قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث هن رواجع على أهلها : المكر والنكث والبغي» ثم تلا صلىاللهعليهوسلم قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ). وقوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) وقوله ـ تعالى ـ (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما».
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ٢٧.
(٢) راجع تفسير المنار ج ١١ ص ٣٤٤.
(٣) راجع تفسير المنار ج ١١ ص ٣٤٣.