والفلك : ما عظم من السفن. ويستعمل هذا اللفظ عند كثير من العلماء للواحد والجمع. والظاهر أن المراد به هنا الجمع ، بدليل قوله (وَجَرَيْنَ) أى : السفن.
والمراد بالريح الطيبة : الريح المناسبة لسير السفن ، والموافقة لا تجاهها.
أى : هو ـ سبحانه ـ وحده الذي ينقلكم من مكان إلى آخر في البر والبحر ، حتى إذا كنتم في إحدى مرات تسييركم راكبين في السفن التي سخرها لكم ، وجرت هذه السفن بمن فيها بسبب الريح الطيبة إلى المكان الذي تقصدونه ، وأنتم في حالة فرح غامر ، وسرور شامل .. (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ ، وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ...).
والريح العاصف : هي الريح الشديدة القوية. يقال : عصفت الريح وأعصفت فهي عاصف إذا اشتدت في سرعتها وهيجانها.
والموج : ما ارتفع من مياه البحار ، والظن هنا بمعنى اليقين أو الاعتقاد الراجح ، وقوله : (أُحِيطَ بِهِمْ) ، أى : أحاط بهم البلاء من كل ناحية. يقال لمن وقع في بلية : قد أحيط به. وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بعدوه جعله على حافة الهلاك.
أى بعد أن جرت السفن بهؤلاء القوم في البحر وهم في فرح وحبور ، جاءت إليهم ريح عاصفة شديدة السرعة والتقلب ، وارتفع إليها الموج من كل مكان ، واعتقد ركابها ـ الذين كانوا منذ قليل فرحين مبتهجين ـ أنهم قد أحاط بهم الهلاك كما يحيط العدو بعدوه.
وقوله : (بِهِمْ) فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ، لأنه كان الظاهر أن يقال : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بكم لكن جاء الكلام على أسلوب الالتفات للمبالغة في تقبيح أحوالهم ، وسوء صنيعهم.
قال صاحب الكشاف «فإن قلت : ما فائدة صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة؟ قلت : المبالغة ، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ، ويستدعى منهم الإنكار والتقبيح» (١).
وقوله : (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) بيان لما قالوه بعد أن داهمتهم الرياح العاصفة ، والأمواج العالية وبعد أن أيقنوا أنهم على حافة الموت.
أى في تلك الساعات العصيبة ، واللحظات الحرجة ، توجهوا إلى الله وحده قائلين : نقسم لك يا ربنا ، ويا من لا يعجزك شيء ، لئن أنجيتنا من تلك الأهوال التي نحن فيها ، لنكونن
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٣١.