لأن تصديقنا لكما يخرجنا عن الدين الذي وجدنا عليه آباءنا ، وينزع منا ملكنا الذي تتمتع بكبريائه خاصتنا ، وتعيش تحت سلطانه وقهره عامتنا.
وأفردوا موسى ـ عليهالسلام ـ بالخطاب في قولهم (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا ..) لأنه هو الذي كان يجابههم بالحجج التي تقطع دابر باطلهم ، ويرد على أكاذيبهم بما يفضحهم ويكشف عن غرورهم وغبائهم.
وجمعوا بين موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ في قولهم (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ ، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) باعتبار شمول الكبرياء والرياسة والملك لهما ، وباعتبار أن الإيمان بأحدهما يستلزم الإيمان بالآخر.
هذا ، والذي يتدبر هذه الآية الكريمة ، يرى أن التهمة التي وجهها فرعون وملؤه إلى موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ ، هي تهمة قديمة جديدة فقوم نوح ـ مثلا ـ يمتنعون عن قبول دعوته ، لأنه في نظرهم جاء بما جاء به بقصد التفضل عليهم ، وفي هذا يقول القرآن الكريم : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، أَفَلا تَتَّقُونَ. فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) (١). أى : يريد أن تكون له السيادة والفضل عليكم ، فيكون زعيما وأنتم له تابعون.
ولقد أفاض في شرح هذا المعنى صاحب الظلال ـ رحمهالله ـ عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال ما ملخصه :
وإذن فهو الخوف من تحطيم معتقداتهم الموروثة ، التي يقوم عليها نظامهم السياسى والاقتصادى ، وهو الخوف على السلطان في الأرض ، هذا السلطان الذي يستمدونه من خرافات عقائدهم الموروثة.
إنها العلة القديمة الجديدة التي تدفع بالطغاة إلى مقاومة دعوات الإصلاح ورمى الدعاة بأشنع التهم ؛ والفجور في مقاومة الدعوات والدعاة .. إنها هي «الكبرياء في الأرض» وما تقوم عليه من معتقدات باطلة ، يحرص المتجبرون على بقائها متحجرة في قلوب الجماهير ، بكل ما فيها من زيف وفساد ، وأوهام وخرافات ، لأن تفتح القلوب على العقيدة الصحيحة ، خطر على القيم الجاهلية الموروثة.
وما كان رجال من أذكياء قريش ـ مثلا ـ ليخطئوا إدراك ما في رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم من صدق وسمو ، وما في عقيدة الشرك من تهافت وفساد ، ولكنهم كانوا يخشون على مكانتهم
__________________
(١) سورة المؤمنون الآيتان ٢٣ ، ٢٤.