وقوله : (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ ...) إلخ بيان لما قاله لهم أحدهم خلال تناجيهم مع بعضهم في عزلة عن الناس.
ولم يذكر القرآن اسم كبيرهم ، لأنه لا يتعلق بذكره غرض منهم ، وقد ذكر بعض المفسرين أن المراد به «روبيل» لأنه أسنهم ، وذكر بعضهم أنه «يهوذا» لأنه كبيرهم في العقل ...
أى : وحين اختلى إخوة يوسف بعضهم مع بعض لينظروا في أمرهم بعد أن احتجز عزيز مصر أخاهم بنيامين ، قال لهم كبيرهم :
«ألم تعلموا» وأنتم تريدون الرجوع إلى أبيكم وليس معكم «بنيامين».
«أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله» عند ما أرسله معكم ، بأن تحافظوا عليه ، وأن لا تعودوا إليه بدونه إلا أن يحاط بكم.
وألم تعلموا كذلك أنكم في الماضي قد فرطتم وقصرتم في شأن يوسف ، حيث عاهدتم أباكم على حفظه ، ثم ألقيتم به في الجب.
والاستفهام في قوله : «ألم تعلموا ...» للتقرير. أى : لقد علمتم علما يقينا بعهد أبيكم عليكم بشأن بنيامين ، وعلمتم علما يقينا بخيانتكم لعهد أبيكم في شأن يوسف ، فبأى وجه تعودون إلى أبيكم وليس معكم أخوكم بنيامين؟
قال الشوكانى : قوله : (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) أى عهدا من الله ـ تعالى ـ بحفظ ابنه ورده إليه. ومعنى كونه من الله : أنه بإذنه.
وقوله (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) معطوف على ما قبله. والتقدير : ألم تعلموا أن أباكم ... وتعلموا تفريطكم في يوسف ، فقوله «ومن قبل» متعلق بتعلموا.
أى : تعلموا تفريطكم في يوسف من قبل. على أن ما مصدرية (١).
وقوله (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي ...) حكاية للقرار الذي اتخذه كبيرهم بالنسبة لنفسه.
أى : قال كبير إخوة يوسف لهم : لقد علمتم ما سبق أن قلته لكم ، فانظروا في أمركم ، أما أنا «فلن أبرح الأرض» أى : فلن أفارق أرض مصر «حتى يأذن لي أبى» بمفارقتها ، لأنه قد أخذ علينا العهد الذي تعلمونه بشأن أخى بنيامين. «أو يحكم الله لي» بالخروج منها
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ٤٦.