الْجُبِّ. وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
أى : فلما أقنعوا أباهم بإرسال يوسف معهم ، وذهبوا به في الغد إلى حيث يريدون ، وأجمعوا أمرهم على أن يلقوا به في قعر الجب ، فعلوا به ما فعلوا من الأذى ، ونفذوا ما يريدون تنفيذه بدون رحمة أو شفقة.
فالفاء في قوله فلما : للتفريع على كلام مقدر ، وجواب «لما» محذوف ، دل عليه السياق. وفعل «أجمع» يتعدى إلى المفعول بنفسه ، ومعناه العزم والتصميم على الشيء ، تقول : أجمعت المسير أى : عزمت عزما قويا عليه.
وقوله «أن يجعلوه» مفعول أجمعوا.
قال الآلوسى : «والروايات في كيفية إلقائه في الجب ، وما قاله لإخوته عند إلقائه وما قالوه له كثيرة ، وقد تضمنت ما يلين له الصخر ، لكن ليس فيها ما له سند يعول عليه» (١).
والضمير في قوله ، وأوحينا إليه يعود على يوسف ـ عليهالسلام ـ.
أى : وأوحينا إليه عند إلقائه في الجب عن طريق الإلهام القلبي ، أو عن طريق جبريل ـ عليهالسلام ـ أو عن طريق الرؤيا الصالحة. (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) أى : لتخبرنهم في الوقت الذي يشاؤه الله ـ تعالى ـ في مستقبل الأيام ، بما فعلوه معك في صغرك من إلقائك في الجب ، ومن إنجاء الله ـ تعالى ـ لك ، فالمراد بأمرهم هذا : إيذاؤهم له وإلقاؤهم إياه في قعر الجب ، ولم يصرح ـ سبحانه ـ به ، لشدة شناعته.
وجملة «وهم لا يشعرون» حالية ، أى : والحال أنهم لا يحسون ولا يشعرون في ذلك الوقت الذي تخبرهم فيه بأمرهم هذا ، بأنك أنت يوسف. لاعتقادهم أنك قد هلكت ولطول المدة التي حصل فيها الفراق بينك وبينهم ، ولتباين حالك وحالهم في ذلك الوقت ، فأنت ستكون الأمين على خزائن الأرض ، وهم سيقدمون عليك فقراء يطلبون عونك ورفدك.
وقد تحقق كل ذلك ـ كما يأتى ـ عند تفسير قوله تعالى ـ : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ..).
وكان هذا الإيحاء ـ على الراجح ـ قبل أن يبلغ سن الحلم ، وقبل أن يكون نبيا.
وكان المقصود منه ، إدخال الطمأنينة على قلبه ، وتبشيره بما يصير إليه أمره من عز وغنى وسلطان.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٧٧.