في الأرض ، وعن انتهاك الحرمات؟.
كلا إنهم لم يكن فيهم هؤلاء الرجال الذين ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا عددا قليلا منهم أنجيناهم بسبب إيمانهم ونهيهم عن الفساد في الأرض.
وفي هذا من التوبيخ لأهل مكة ولكل من تقاعس عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ما فيه ، لأن الله ـ تعالى ـ بين أن عذاب الاستئصال الذي حل بالظالمين السابقين ، كان من أسبابه عدم نهيهم عن الفساد في الأرض.
قال الشوكانى : والاستثناء في قوله (إِلَّا قَلِيلاً ...) منقطع ، أى : لكن قليلا ممن أنجينا منهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض ، وقيل : هو متصل ، لأن في حرف التحضيض معنى النفي ، فكأنه قال : ما كان في القرون أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا قليلا ممن أنجينا منهم ، ومن في قوله (مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) بيانية ، لأنه لم ينج إلا الناهون» (١).
وقال ابن كثير : ولهذا أمر الله ـ تعالى ـ هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأولئك هم المفلحون ، وفي الحديث : «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده» ولهذا قال : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ...) (٢).
وقوله : (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ ...) إشارة إلى أن هؤلاء القاعدين عن النهى عن الإفساد في الأرض ، قد استمروا على فجورهم وفسقهم دون أن يلتفتوا إلى خصال الخير ، وإلى سبيل الصلاح.
وأترفوا من الترف ومعناه التقلب في نعم الله ـ تعالى ـ مع ترك شكره ـ سبحانه ـ عليها.
والمترف : هو الشخص الذي أبطرته النعمة ، فانغمس في الشهوات والمعاصي ، وأعرض عن الأعمال الصالحة ...
والجملة الكريمة معطوفة على كلام مقدر يقتضيه الكلام ، والمعنى : أن هؤلاء الذين لم يكن فيهم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا من استثنى ، قد استمروا في طغيانهم ، واتبعوا ما أنعموا فيه من الثروة والعيش الهنيء والشهوات العاجلة ، فكفروا النعمة ، واستكبروا وفسقوا عن أمر ربهم ، وكانوا قوما مجرمين ، أى مصرين على ارتكاب الجرائم
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٥٣٤.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٩٠.