ـ تلك هي قصة لوط مع الرسل الذين جاءوا لإهلاك قومه ومع قومه المجرمين ، كما حكتها سورة هود.
ـ وقد وردت هذه القصة في سور أخرى وبأساليب متنوعة ، ومنها سورة الأعراف ، والحجر ، والشعراء ، والنمل ، والعنكبوت ، والصافات ، والذاريات ، والقمر ..
قال الإمام ابن كثير : ولوط هو ابن هاران بن آزر ، فهو ابن أخى إبراهيم ، وكان قد آمن مع عمه إبراهيم وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله إلى أهل بلدة سدوم وما حولها يدعوهم إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها دون أن يسبقهم بها أحد من بنى آدم ولا من غيرهم ، وهو إتيان الذكور دون الإناث ، وهذا شيء لم يكن أحد من بنى آدم يعهده ولا يألفه ولا يخطر بباله ، حتى صنع ذلك أهل سدوم ـ وهم قرية بوادي الأردن عليهم لعائن الله» (١).
ـ وقد بدأ ـ سبحانه ـ القصة هنا بتصوير ما اعترى لوطا ـ عليهالسلام ـ من ضيق وغم عند ما جاءته الرسل فقال : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ ...).
ـ أى : وحين جاء الملائكة إلى لوط ـ عليهالسلام ـ بعد مفارقتهم لإبراهيم ، ساءه وأحزنه مجيئهم ، لأنه كان لا يعرفهم ، ويعرف أن قومه قوم سوء ، فخشي أن يعتدى قومه عليهم ، بعادتهم الشنيعة ، وهو عاجز عن الدفاع عنهم ...
قال ابن كثير ما ملخصه : «يخبر الله ـ تعالى ـ عن قدوم رسله من الملائكة إلى لوط ـ عليهالسلام ـ بعد مفارقتهم لإبراهيم ... فأتوا لوطا ـ عليهالسلام ـ وهو على ما قيل في أرض له. وقيل في منزله ، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون ، على هيئة شبان حسان الوجوه ، ابتلاء من الله ، وله الحكمة والحجة البالغة ، فساءه شأنهم ...» (٢).
ـ وقوله : (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) تصوير بديع لنفاد حيلته ، واغتمام نفسه وعجزه عن وجود حيلة للخروج من المكروه الذي حل بهم.
قال القرطبي : والذرع مصدر ذرع. وأصله : أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك وضعف ومد عنقه. فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع. وقيل هو من ذرعه القيء أى غلبه.
أى : ضاق عن حبسه المكروه في نفسه.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٣٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٦٦.