لا ثبات للباطل ـ مهما علا وانتفخ ـ مع وجود الحق ، كما أنه لا ثبات للزبد مع الماء الصافي ، ولا مع المعادن النقية.
والكلام على حذف مضاف والتقدير : يضرب الله مثل الحق ومثل الباطل.
وسر الحذف : الإنباء عن كمال التماثل بين الممثل والممثل به ، حتى لكأن المثل المضروب هو عين الحق وعين الباطل.
ثم شرع ـ سبحانه ـ في تقسيم المثل فقال : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
أى : فأما الزبد الذي لفظه السيل والحديد فيذهب «جفاء» مرميا به ، مطروحا بعيدا ، لأنه لا نفع فيه.
يقال : جفأ الماء بالزبد ، إذا قذفه ورمى به ، وجفأت الريح الغيم ، إذا مزقته وفرقته ، والجفاء بمعنى الغثاء.
وأما ما ينفع الناس من الماء الصافي ، والمعدن النقي الخالي من الخبث «فيمكث في الأرض» أى فيبقى فيها لينتفع الناس به.
وبدأ ـ سبحانه ـ بالزبد في البيان فقال (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ) مع أنه متأخر في الكلام السابق لأن الزبد هو الظاهر المنظور أولا لأعين الناس ، أما الجوهر فهو مستتر خلفه لأنه هو الباقي النافع.
أو لأنه جرت العادة في التقسيم أن يبدأ بالمتأخر كما في قوله ـ تعالى ـ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) (١).
وقوله (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) تفخيم لشأن هذا التمثيل الذي اشتملت عليه الآية الكريمة.
أى : مثل ذلك البيان البديع الذي اشتملت عليه الآية الكريمة يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون ، فيحملهم هذا التفكير على الإيمان الحق ، وحسن التمييز بين الخير والشر ، والمعروف والمنكر ، والحق والباطل.
قال الإمام الشوكانى : «هذان مثلان ضربهما الله ـ تعالى ـ في هذه الآية للحق وللباطل
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ١٠٦.