بعجب ، لأن الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشرا مثلهم.
وقال الله ـ تعالى ـ : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (١).
وإرسال الفقير أو اليتيم ليس بعجب ـ أيضا ـ لأن الله ـ تعالى ـ إنما يختار من استحق الاختيار لجمعه أسباب الاستقلال لما اختير له من النبوة. والغنى والتقدم في الدنيا ليس من تلك الأسباب في شيء قال ـ تعالى ـ : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) (٢).
والبعث للجزاء على الخير والشر. هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجبا إنما العجب والمنكر في العقول ، تعطيل الجزاء (٣).
وقدم ـ سبحانه ـ خبر كان وهو (عَجَباً) على اسمها وهو (أَنْ أَوْحَيْنا). لأن المقصود بالإنكار في الآية إنما هو تعجبهم ودهشتهم من أن يكون الرسول بشرا.
وقدم ـ سبحانه ـ الإنذار على التبشير ، لأن التخلية مقدمة على التحلية ، وإزالة ما لا ينبغي مقدم في الرتبة على فعل ما ينبغي.
ولم يذكر المنذر به ، لتهويله وتعميمه حتى يزداد خوفهم وإقبالهم على الدين الحق ، الذي يؤدى اتباعه إلى النجاة من العذاب.
وخص التبشير بالمؤمنين لأنهم وحدهم المستحقون له ، بخلاف الإنذار فإنه يشمل المؤمن والكافر. ولذا قال ـ سبحانه ـ (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أى جميع الناس.
وذكر ـ سبحانه ـ في جانب التبشير المبشر به ـ وهو حصولهم على المنزلة الرفيعة عند ربهم ـ لكي تقوى رغبتهم في طاعته. ومحبتهم لعبادته ، وبذلك ينالون ما بشرهم به.
ثم وضح ـ سبحانه ـ ما قاله الكافرون عند مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم بدعوته فقال : (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ).
أى : قال الكافرون المتعجبون من أن يكون صلىاللهعليهوسلم رسولا إليهم ، إن هذا الإنسان الذي يدعى النبوة لساحر بيّن السحر واضحه. حيث إنه استطاع بقوة تأثيره في النفوس أن يفرق بين الابن وأبيه ، والأخ وأخيه.
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ٩٥.
(٢) سورة «سبأ» الآية ٣٧.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٢٤. طبعة مصطفى الحلبي.