وكانت مساكنهم بالحجر ـ بكسر الحاء وسكون الجيم ـ وهو مكان يقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ، وموقعه الآن ـ تقريبا ـ المنطقة التي بين الحجاز وشرق الأردن ، وما يزال المكان الذي كانوا يسكنونه يسمى بمدائن صالح حتى اليوم.
وقبيلة صالح من القبائل العربية ، وكانوا خلفاء لقوم هود ـ عليهالسلام فقد قال ـ سبحانه ـ : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً ، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً ..) (١).
وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله ـ تعالى ـ إليهم صالحا ليأمرهم بعبادة الله وحده.
وقوله : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ..) معطوف على ما قبله من قصتي نوح وهود ـ عليهماالسلام ـ أى : وأرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم في النسب والموطن صالحا ـ عليهالسلام فقال لهم تلك الكلمة التي قالها كل نبي لقومه : يا قوم اعبدوا الله وحده ، فهو الإله الذي خلقكم ورزقكم ، وليس هناك من إله سواه يفعل ذلك.
ثم ذكرهم بقدرة الله ـ تعالى ـ وبنعمه عليهم فقال : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها).
والإنشاء : الإيجاد والإحداث للشيء على غير مثال سابق.
واستعمركم من الإعمار ضد الخراب فالسين والتاء للمبالغة. يقال : أعمر فلان فلانا في المكان واستعمره ، أى جعله يعمره بأنواع البناء والغرس والزرع.
أى : اعبدوا الله ـ تعالى ـ وحده ، لأنه ـ سبحانه ـ هو الذي ابتدأ خلقكم من هذه الأرض ، وأبوكم آدم ما خلق إلا منها وهو الذي جعلكم المعمرين لها ، والساكنين فيها (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً ، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً ...).
قال ـ تعالى ـ في شأنهم .. (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ. وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ.) (٢).
فأنت ترى أن صالحا ـ عليهالسلام ـ قد ذكرهم بجانب من مظاهر قدرة الله ومن أفضاله عليهم ، لكي يستميلهم إلى التفكر والتدبر ، وإلى تصديقه فيما يدعوهم إليه.
والفاء في قوله (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) للتفريع على ما تقدم.
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٧٤.
(٢) سورة الشعراء الآيات من ١٤٦ ـ ١٥٠.