والبشرى : اسم للتبشير والبشارة وهي الخبر السار ، فهي أخص من الخبر ، وسميت بذلك لأن آثارها تظهر على بشرة الوجه أى : جلده.
وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التأكيد للاهتمام بمضمونها ، وللرد على مشركي قريش وغيرهم ممن كان ينكر هذه القصة وأمثالها.
والباء في قوله ـ سبحانه ـ (بِالْبُشْرى) للمصاحبة والملابسة ، أى : جاءوه مصاحبين وملتبسين بالبشرى.
وقوله : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) حكاية لتحيتهم له ولرده عليهم.
و (سَلاماً) منصوب بفعل محذوف. أى قالوا نسلم عليك سلاما.
و (سَلامٌ) مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى قال أمرى سلام.
وقرأ حمزة والكسائي : قال سلم وهو اسم للمسالمة.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما فعل إبراهيم مع هؤلاء الرسل من مظاهر الحفاوة والتكريم فقال : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ).
و «ما» في قوله (فَما لَبِثَ) نافية ، والفاء للتعقيب ، واللبث في المكان معناه : عدم الانتقال عنه. والعجل : الصغير من البقر.
والحنيذ : السمين المشوى على الحجارة المحماة في حفرة من الأرض. يقال : حنذ الشاة يحنذها حنذا أى : شواها بهذه الطريقة.
أى : فما أبطأ وما تأخر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ عن إكرامهم ، بل بمجرد أن انتهى من رد التحية عليهم ، أسرع إلى أهله فجاءهم بعجل حنيذ ...
وهذا الفعل منه ـ عليهالسلام ـ يدل على سعة جوده ، وعظيم سخائه ، فإن من آداب الضيافة ، تعجيل القرى للضيف ..
قال أبو حيان : والأقرب في إعراب (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ ...) أن تكون ما نافية ، ولبث معناه تأخر وأبطأ و (أَنْ جاءَ) فاعل لبث والتقدير ؛ فما تأخر مجيئه ...
ويجوز أن يكون فاعل لبث ضمير إبراهيم ، وأن جاء على إسقاط حرف الجر ، أى فما تأخر في أن جاء بعجل حنيذ ...» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حال إبراهيم عند ما رأى ضيوفه لا يأكلون من طعامه فقال : (فَلَمَّا
__________________
(١) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٥ ص ٢٤١ طبعة دار الفكر ببيروت.