الثمرات المختلفة ما يغنيهم لعلهم بهذا العطاء الجزيل يزدادون شكرا لك ، ومسارعة في طاعتك وعبادتك.
وقال ـ سبحانه ـ (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ولم يقل فاجعل الناس تهوى إليهم ، للإشارة إلى أن سعى الناس إليهم يكون عن شوق ومحبة حتى لكأن المسرع إلى هذا الجوار الطيب هو القلب والروح وليس الجسد وحده.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : «وقد أجاب الله ـ تعالى ـ دعوة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فجعل البيت الحرام حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنه ، ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثمارا ، وفي أى بلد من الشرق والغرب ، ترى الأعجوبة التي يريكها الله بواد غير ذي زرع ـ وهي اجتماع البواكير من الفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد ، وليس ذلك من آياته عجيب ، متعنا الله بسكنى حرمه ، ووفقنا لشكر نعمه وأدام لنا التشرف بالدخول تحت دعوة إبراهيم ، ورزقنا طرفا من سلامة ذلك القلب السليم» (١).
هذا ، وقد ساق الإمام الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية قصة إسكان إبراهيم لبعض ذريته في هذا المكان فقال ما ملخصه : «وهذا الإسكان إنما كان بعد أن حدث ما حدث بين إبراهيم وبين زوجه سارة ، وذلك أن هاجر أم إسماعيل كانت أمة من القبط لسارة فوهبتها ـ لإبراهيم عليهالسلام ـ فتزوجها فولدت له إسماعيل. فدبت الغيرة في قلب سارة ولم تصبر على بقائها معها فأخرج إبراهيم ـ عليهالسلام ـ هاجر وابنها إلى أرض مكة ، فوضعهما عند البيت ، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفى منطلقا فتبعته هاجر ، فقالت له : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس.
قالت له ذلك مرارا وهو لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم. قالت : إذا لا يضيعنا ، ثم رجعت.
وانطلق إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ـ وكان إذ ذاك مرتفعا من الأرض كالرابية ـ ثم دعا بهذه الدعوات ، ورفع يديه فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ..) الآية.
ثم إنها جعلت ترضع ابنها وتشرب مما في السقاء حتى إذا نفد ما في السقاء ، عطشت
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٨١.